حرب البذار أخطر من التلويح بالترسانات النووية.. إستراتيجيات أميركية خفية لـ«نزع» أسباب البقاء من أيدي الشعوب.. وسورية ليست في مأمن

تشرين – بارعة جمعة:

استعمار مقنّع يزيد من تبعية شعوب العالم لأميركا، تضييق على أرزاق صغار المزارعين، تقييد للمشترين باتفاقيات تحظر عليهم حفظ البذور من محاصيلهم، تلك هي سياسة الاستعمار الاقتصادي الأمريكي الممنهج، الذي طال لقمة عيش شعوب الدول الفقيرة بسكانها، الغنية بمواردها، فالبذور هي في النهاية ما يُطعمنا ويُطعم الحيوانات التي نربيها ونأكلها، والتحكم بها من نواحٍ كثيرة يعني التحكم في الإمدادات الغذائية، حسبما قاله جاك كلوبنبورغ عالم الاجتماع الريفي والأستاذ في جامعة ويسكونسن ماديسون الأمريكية، فما حقيقة مختبرات صناعة الموت البطيء الأمريكي الذي غزا شعوب العالم الثالث بمنهجية الحاجة وفق الاحتياج؟!!

سياسة الاحتكار

اعتاد المزارعون منذ آلاف السنين من عمر الزراعة على مبدأ المقايضة بالبذور فيما بينهم وبحرية، لتأتي حقبة التسعينيات حاملة معها تغييراً في معادلة الزراعة بإصدار قوانين لحماية المحاصيل الجيدة المعدلة وراثياً، التي فتحت باب الاحتكار بأكثر من 50% من بذور العالم لأربع شركات وهي باير الألمانية، كورتيفا الأمريكية، شيم شاينا الصينية، وليماغرين الفرنسية، جعل منها المهيمن على إمدادات الغذاء العالمية.

علي ديب: حقبة التسعينيات غيَّرت معادلة الزراعة بإصدار قوانين لحماية المحاصيل الجيدة المُعدّلة وراثياً

هي محاولة لتصحير البلدان والقضاء على المحاصيل كما هو حال المنطقة الشرقية لسورية، التي تعرّضت لتوريدات بذور فاسدة ومريضة بهدف حرمانها من الإنتاج وفق تأكيدات الدكتور في علم الاقتصاد سنان علي ديب، لفكرة لعبة التعديل الوراثي التي طالت دولاً كثيرة، والذي مرده في رأي علي ديب لاعتماد مبدأ توزيع البذور عبر مصارف زراعية فتحت باب الجشع، من دون الاحتكام للضمير وسط محاولات مقصودة لتلويث التربة عبر هذه البذور بقصد حرمان الأرض من الإنتاج مرة أخرى، وإن تغير البذار.

سياسة ممنهجة من قبل محتكري الاستيراد عبر أسلوب التعاطي بالاستيراد والتصدير، الذي هو بالأساس غير مُشجع للفلاح برأيه، إلّا أن لهذه الوجهة أسبابها إثر تعرض مناطق شرق سورية لاعتداءات مقصودة لخروجها عن سيطرة الدولة، ما جعل الفلاح في تلك المناطق يتبع مصالحه متجاهلاً خطورة المسألة، فيما الأمر بات مكشوفاً وضمن مجال المعالجة أمام الارتياح السياسي اليوم، كما أن الحلول موجودة التي ستحد من التهريب وتحسن وضع الفلاح وتخفف الاستيراد.

دراسات زراعية

نضوجٌ مبكر يجعل منه محصولاً قابلاً للحصاد، هي تأثيرات فطر الفيوزاريوم الذي لحق بالقمح سابقاً، جعل منه وفق تأكيدات عضو الهيئة التدريسية في كلية الزراعة جامعة تشرين الدكتور حسان خوجة محط جدلٍ ضمن نقاش المختصين، حول قابليته للاستهلاك البشري.

خطة تتبع لسياسة الهيمنة الأمريكية على النظام الغذائي العالمي، تكفلت بتجويع شعوب المنطقة برمتها، وسط تحذيرات خبراء من خطورة قيام مثل هذه السياسات، التي مهدت الطريق أمام اعتماد سياسة استيراد البذور، والتي باتت أكثر تداولاً في الأوساط الزراعية اليوم.

علي ديب: توزيع البذور عبر المصارف الزراعية شجع سياسة الاحتكار وتصحير البلدان

تعديل الحمض النووي بطريقة مخبرية وباستخدام الهندسة الوراثية أو الجراحة الوراثية، على خلاف التحسين الوراثي المسموح به وفق خوجة، لكونه يعتمد التهجين التقليدي لأصناف من نفس النوع أو الجنس، هنا نعمد على نقل المورثات المناسبة، بحيث نحصل على هجين أو نسل، يحتوي الصفات المرغوبة من الطرفين، وبالتالي الوصول لإنتاج بجودة ونوعية عالية، يتحمل ظروف بيئية غير جيدة أيضاً.

التعديل الوراثي مرفوض عالمياً، لقيامه على نقل مورثات ليست من صنف واحد، حيث إن الدول الإفريقية رفضت البذور المعدلة وراثياً، درءاً لأطماع الدول الاستعمارية بها، بينما لا إشكالية بنقل البذور برأي الدكتور خوجة، فهو تبادل عالمي ضمن إطار التبادل العلمي، ويتم عبر بنوك وراثية، لكن السؤال هنا: هل من الصعوبة بمكان ما وجود بنوك وراثية محلية؟!

درء المخاطر

نعم ما نحتاجه اليوم هو بنك وراثي، يحوي أراضي زراعية واسعة ويتم تجديد البذور بشكل سنوي، والأمر ليس صعباً وفق رؤية الدكتور حسان خوجة ومن الممكن القيام به عبر تجميع الأصول الوراثية على شكل بذور وعُقَل وأشجار مزروعة والاهتمام بها والعمل وفق أسلوب الانتخاب في حال تم تلقيح غير مرغوب به، هنا فقط يمكننا التخلص من قصة التحكم بالبذور التي عدّها خوجة ممنهجة بدافع ربط الشعب السوري بمصالح أميركا عبر استثمار المحاصيل الاستراتيجية في سورية.

خوجة: ما نحتاجه اليوم هو بنك وراثي يحوي أراضي زراعية للتخلص من هيمنة أميركا الاقتصادية

وما تم إرساله من بذور فاسدة للمنطقة الشرقية والشمالية خير دليل على ذلك، كما أن التواطؤ بعلاج المرض الذي لحق محصول القمح يتحمل مسؤولية تراجعه، فالدور الأمريكي بات مكشوفاً ضمن سرقة وحرق المحاصيل لعدم تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد، ودفع البلاد للاستيراد لصالح المنتفعين منه، ممن يعملون ضمن سياسة الظل بتوريد بذور غير صالحة للزراعة وممرضة تحتوي على مادة الغلوتين التي تنتج أمراضاً مثل سوء التغذية وضعف المناعة وزيادة حموضة المعدة، عدا عن توريد خليط بذور غير قابل للزراعة لأكثر من مرة واحدة.

إلّا أنه ورغم الصعوبات، يمكننا إعادة المخزون الماضي برأي خوجة، عبر مكافحة الأمراض وزرع الأصناف المحسنة كالقمح الفرعوني الذي عملت مصر على تحسينه وراثياً والذي عده المختصون صنفاً خارقاً لإنتاجه سنبلة بطول 30 سم، في وقت يمنع تداوله لدينا.

سياسات لحقت بكل قطاع الإنتاج الزراعي وليس البذور فقط، لم تستثنِ الأبقار المستوردة التي تم تأكيد عدم تجانسها من حيث النوع، والشوندر السكري عبر التحكم بحجمه والتلاعب بصيغته الصبغية، والذي كشفت فيما بعد بأن كل جهود معامل السكر والفلاحين والميكانيكيين هي بطالة مقنعة وتدفع للجوء للاستيراد، وسط وجود الكثير من العلماء للاستنباط وإنتاج أصناف بمختلف المجالات، إلا أن كلها دراسات حبيسة الأدراج.

بنك وراثي

اختبارات وتجارب تقوم بها البحوث الزراعية ضمن مراكزها البحثية في المحافظات، أكدتها تصريحات المكتب الإعلامي للهيئة ضمن توضيحات قدمها لـ«تشرين»، والذي أوضح من خلاله توزع مناطق الاستقرار بين أولى أو ثانية زراعة بعلية أو مروية، ليتم بناء على النتائج انتخاب السلالات التي يثبت نجاحها في سورية من حيث الإنتاجية والمقاومة للأمراض، وتقديمها للجنة لاعتمادها كأصناف ويتم إنتاجها عبر مؤسسة إكثار البذار وتوزيعها للمزارعين، كما يضمن البنك الوراثي المُدخلات التي تم جمعها في القطر بشكل خاص من قبل الباحثين فيها، بالإضافة إلى المدخلات التي تم جمعها من خلال الجولات.

خوجة: التواطؤ بعلاج مرض القمح وسرقة أميركا للقمح وحرقه دفع البلاد للاستيراد

وحسب المعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة، التي صدقت عليها سورية منذ عام 2006، نفذت المعاهدة نظماً متعددة الأطراف للحصول وتقاسم المنافع بين تلك الدول التي تصدق على المعاهدة، للحصول على قائمة تضم 64 من أهم المحاصيل الغذائية والأعلاف الضرورية للأمن الغذائي والترابط بين الأجناس والأنواع، وتم بالاتفاق مع الصندوق العالمي لتنوع المحاصيل تنفيذ النظام متعدد الأطراف ««MLS للحصول عليها وتقاسم المنافع.

قبو يوم القيامة

يهدف للحفاظ على البذور خوفاً من فقدانها لأي سبب، من هنا جاءت أهمية قيام القبو وفق تقديرات الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، وبالتالي الاستفادة منها في برامج التربية والتحسين الوراثي لاستنباط أصناف تؤمن الغذاء للعالم أجمع، لاحتوائه على بذار من كل الأنواع ومن كل دول العالم، كما يمكن لكل دولة وضع بذارها أو جزء منه بالأمانة، ولم يسبق أن وضعت سورية أي بذار في هذا البنك.

البحوث الزراعية: قبو يوم القيامة هو للحفاظ على البذور

خوفاً من فقدانها والاستفادة منها في برامج التربية والتحسين الوراثي

يحتوي القبو عينات بلغت 1.1 مليون عينة تمثل حوالي 6000 نوع من كل دول العالم، وبالتالي فإنّ القول بأن هناك عملية نقل للبذار السورية بمقدار 116 ألفاً مدخلاً إلى القبو غير دقيق.

عملية حفظ البذور ممكنة، وذلك من خلال الهيئة العامة للبحوث الزراعية التي تضم قسماً في الأصول الوراثية يحوي الموارد الوراثية النباتية لمحاصيل الحبوب المزروعة والبرية، والمحاصيل البقولية الغذائية والعلفية المزروعة والبرية، إضافة للمحاصيل الزيتية، والخضار الصيفية والشتوية، يتم حفظها للأجيال القادمة لتحقيق أمنها الغذائي في حال حدوث أي طارئ.

اقرأ أيضاً:

المؤامرة الغربية الأكبر والأخطر داخل منظومة الغذاء الجديد المُعدل وراثياً.. أميركا بدأتها من منطقتنا لاستعباد الدول والشعوب زراعياً وبيئياً

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار