موروث قديم يتلاشى مع الزمن.. سكبة رمضان تطوف بخجل هذا العام

تشرين- بارعة جمعة:

ما إن تغيب شمس النهار معلنة قدوم موعد الإفطار، حتى تتسارع النساء لإهداء الأطباق و تبادل صحون الطعام المتنوعة فيما بينهن، أو إطعام الفقراء في الحارات الشعبية، ولم تكن يوماً غاية الطبق الرمضاني المفاخرة بشيء، أو اختباراً للأكثر جدارة أو استعراضاً لمهارات النسوة بالطبخ، بقدر ما يحمل في طياته معاني متشابهة لقيم الخير المنتظرة من شهر الخير.

الأوضاع الاقتصادية اليوم لا تحتمل فكرة التباهي بموائد رمضانية

بينما تفتقد أزقة الحارات اليوم لمرور بعض الصبية حاملين معهم أطباقاً مفعمة بالمحبة، فأحوال الناس متشابهة هذه الأيام، وغدت هذه العادة سمة مميزة لحارات الشام القديمة في الأعمال الدرامية فقط.

مرارة الواقع

لا تزال مائدة الغني عامرة بما لذَّ وطاب في وقت يفتقر فيه آخرون لجزء بسيط منه، لذا كان من الواجب على كل شخص الخروج ولو بطبق صغير من طعامه، بما يحقق التوازن المطلوب لطبيعة الحياة التي اتسمت بالمرارة لكثير من الأسر، ولاسيما أن كابوس الفقر والغلاء لا يزال يعصف بكل عام وبالتوقيت نفسه، فباتت سكبة رمضان الأكثر حذراً من الدخول لتفاصيل محرجة للبعض، جعلت منها خجولة وغريبة عن طقوس الشهر الفضيل لهذا العام.

باحثة اجتماعية: الطبق الذي يطوف البيوت يتحدى أحلك الظروف إن كان مفعماً بالمحبة

الأوضاع الاقتصادية اليوم لا تحتمل فكرة التباهي بموائد تحوي أصنافاً وأذواقاً مختلفة، إلّا أنها فرصة لتكريس مفهوم حب الخير وزرع الألفة بين الجيران وفق توصيف الباحثة الاجتماعية والمختصة بعلم النفس الدكتورة غالية البغدادي، لكون الفرصة سانحة ليكون الجار بخدمة جاره والأسرة ضمن أعلى مستويات التكافل والألفة، فالصحن الذي يطوف بيوت الأزقة الضيقة يستطيع تحدي أصعب الظروف إن كان مليئاً بالمحبة قبل الطعام، الذي سيعود حتماً مملوءاً بها دون حسابات مسبقة.

روايات قديمة

والتبادل اليوم لا يقتصر على مفهوم السكبة فقط، بل يتخطى ذلك لمد يد العون في تعويض نقص مواد مائدة الإفطار بين الجيران أنفسهم برأي البغدادي، التي أكدت ضرورة إحياء مثل هذه العادات القديمة ولو بشق تمرة، عبر تعليمها لأبنائنا وامتدادها من خلالهم لأجيال قادمة، بالحديث عنها والتذكير بها، ليس فقط ضمن روايات شفهية بل بالممارسة العملية، التي مازالت ضمن أحياء دمشقية قديمة، احتفظت بها من مبدأ التمسك بالعادات القائمة على الوفرة والخير ونشر الطاقة الإيجابية والمنفعة المشتركة فيما بينهم.

العزوف عن هذه العادة لا يبرره سوى الخوف من القلة

العزوف عن مثل هذه العادة لا مبرر له سوى الخوف من القلة، لعدم القدرة على تقديم أطباق فاخرة وفق رؤية البغدادي، إلّا أن قيم الخير ترتبط بإيجابية التفكير ونشر ثقافة اللقمة الطيبة والبركة بعيداً عن قساوة الظرف المعيشي، وحسابات المظاهر الخادعة القائمة على التفاخر بالطعام.

وإن عدنا اليوم للتذكير ولو بشيء بسيط بما كان سائداً فيما مضى، من قيم العطاء والمحبة السائدة وسط إهمال لتفاصيل تسببت بانحدار العلاقات وتفريغ القيم المتوارثة من جيل لآخر من مضمونها والاحتفاظ بالقشور فقط، لا بدّ لنا من السؤال.. كيف لنا أن نعيد زمان السكبة التي باتت تكلفتها باهظة جداً؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار