ينزل نتنياهو في واشنطن الأم، محملاً بكل ألاعيب الصهيونية المجرمة، ومحمولاً على آخر نسخة من الخرافة المدمرة التي أشاعت الوهم الغيبي الخبيث بأن فلسطين «أرض إسرائيل». آخر نسخة من هذه الخرافة المجرمة كانت القرار الذي أصدره «الكنيست» الخميس الماضي والذي نصّ بوقاحة على «رفض إقامة الدولة الفلسطينية».
نتنياهو ينزل في أحضان الأم الحالية للصهيونية، أي أميركا، وعلى أكتافه جريمة «إبادة جماعية» في غزة والضفة وتدمير كامل للقطاع. كما يحضر إلى أمه أميركا وبين يديه قرار يمثل الكيان برمته يرفض فيه أساس حل الدولتين الذي تنادي به الإدارة الأميركية نفسها، مستغلاً هشاشة الحالة السياسية الأميركية، حيث هناك بدل الرئيس ثلاثة رؤساء: بايدن, ترامب, هاريس.. الأول خرفان وهربان.. والثاني أزعر وفلتان.. والثالثة ضعيفة ومنبوذة، وهناك من يقول: إن أميركا الصهيونية لن ترفض الخرافات التي بُني على أساسها قرار «الكنيست» حتى لو تظاهرت سياسياً بعدم موافقتها على القرار.
البعض يظن أن أصل هذه الخرافة تكرّس في «وعد بلفور»، حيث إن وزير الخارجية البريطاني آنذاك – وإمعاناً في تغنيج اليهود وتدليلهم- ترك لأحد المحامين الصهاينة كتابة نص الوعد، فقام هذا الصهيوني بصياغة نص يتجرأ على الأصول السياسية والقوانين الدولية، حيث نصّ فيه على «وطن قومي للدين اليهودي».. وهذه سابقة فظيعة في الاحتيال على العقل السياسي الإنساني، وعلى القانون الدولي.
وعلى أساس هذا التخريف في النص تمت سرقة فلسطين من شعبها لتعطى إلى دين منتشر في كل العالم، ولتصبح وطناً قومياً لهذا الانتشار الديني.. وهذه داعشية صهيونية سبقت داعش الإرهابية.. «وعد بلفور» كان إهانة للعقل السياسي الإنساني واحتيالاً عليه باعتماد الخرافة المهبولة، وهي جريمة سرقة وطن من شعب، وإعطاؤه للصوص ومرابين ومجرمين.. هذا الوعد استكمل الآن بقرار «الكنيست» المشؤوم والخبيث.
إذا كان وعد بلفور ارتكز على خرافة «أرض الميعاد» فإن قرار الكنيست المشؤوم اعتمد على خرافة أفظع تقول: إن الضفة الغربية «قلب إسرائيل» وأساس وطن اليهود القومي، متناسين أن القدس هي قلب فلسطين والعروبة من قبل كل الأديان. وإذا كان «قانون القومية» الذي أصدره «الكنيست» قبل ست سنوات وثق هبل «دولة قومية لليهود» الذي جاء في وعد بلفور، فإن قانون الكنيست الآن برفض الدولة الفلسطينية يؤسس لحروب مستمرة وصراعات متفجرة، خاصة أن شعب فلسطين ومن ورائه الأمة العربية لن يسكت ولن يكف عن المقاومة حتى الحصول على حقوقه الوطنية في إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية رغم أنف كل الخرافات المطرزة بالإبادة الجماعية والفاشية والإجرام.
عندما درست الحكومة البريطانية وعد بلفور قبل إصداره، وافق الوزراء عليه باستثناء وزير واحد اعترض عليه ورفضه.. هذا الوزير هو اليهودي «أدوين مونتيغيو» الذي قال: إن مثل هذا الوعد إن تحقق سيقوض «إمكانية تحقيق المساواة بين اليهود والشعوب الأخرى»، وهذا ما سيديم مأساة اليهود وعزلتهم وكراهية العالم لهم، وهذا ما يُبقيهم عبر «إسرائيل» في موقع المعتدي المفتري المرتكب للإبادة الجماعية والتهجير والتدمير.
من المعروف أن وايزمان كان كيميائياً، وهناك من يقول إنه اخترع «الأسيتون» الشديد الانفجار، وقدمه لبريطانيا لتنتصر في حربها الأولى كعربون للحصول على وعد بالفور. وفي الحقيقة فإن وايزمان لم يخترع الأسيتون الشديد الانفجار فقط، بل زرع الخرافة الأكثر تفجيراً وتدميراً وعدواناً في تاريخ الإنسانية الحديث والتي اسمها «إسرائيل».. واليوم نتنياهو يحمل أسيتون قرار الكنيست برفض الدولة الفلسطينية إلى واشنطن ليزيد من خطورة هذه الخرافة على المنطقة وعلى العالم وعلى اليهود وأمنهم أولاً وقبل كل شيء.
د. فؤاد شربجي
130 المشاركات