أزمة مالية جديدة أم زوبعة في فنجان؟

تشرين- د. عماد خالد الحطبة:

بما أن الأزمة بدأت من بنك سيليكون فالي الأمريكي فالنعرف أكثر عن هذه البداية..

بدأ بنك سيليكون فالي، الذي قام الاحتياطي الفيدرالي بالسيطرة على أصوله في 10 آذار الجاري، عمله في كاليفورنيا عام 1983 وتوسّع بسرعة خلال العقد الماضي مع ازدهار قطاع التكنولوجيا، وتخصص «سيليكون فالي» بكونه مقرضاً للأعمال التجارية الناشئة، وكان الشريك المصرفي لما يقرب من نصف شركات التكنولوجيا والرعاية الصحية المدعومة من الشركات الأميركية التي تم إدراجها في أسواق الأسهم العام الماضي، في اليوم نفسه قالت السلطات الأمريكية إنها استحوذت على بنك «وسيغنيتشر» الذي كان لديه العديد من العملاء المتورطين في العملات المشفرة، وكان يُنظر إليه على أنه المؤسسة الأكثر عرضة للانهيار بعد بنك سيليكون فالي، واعتبرت السيطرة على بنك «وسيغنيتشر» إجراءً احترازياً لمنع تأثير الدينامو على القطاع المصرفي الأمريكي.

ورغم استقرار أسعار الأسهم في الأسواق الأمريكية في الأيام التي تلت انهيار بنك سيليكون فالي، إلّا أن أسهم القطاع البنكي شهدت انهيارات قادها سهم بنك «فيرست ريبابليك» الذي هبط سعره في بورصة سان فرانسيسكو بنسبة 70% قبل إيقاف تداوله.

ويعزو الخبراء الاقتصاديون انهيار البنوك المتخصصة إلى موجة رفع أسعار الفائدة التي يقودها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والتي دفعت العملاء للاتجاه نحو الودائع بدل الاستثمار، فلقد أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى ضغوط على قطاعات معينة وبشكل خاص قطاع التكنولوجيا الذي تزداد معاناته منذ جائحة كورونا، ويرى المراقبون أن الدوائر المعنية في تلك البنوك قصّرت في تقدير المخاطر، ولم تتخذ الاحتياطيات اللازمة، ما أدى إلى هذا الانهيار.

تحاول إدارة بايدن تعميم فكرة أن ما حدث ليس سوى زوبعة في فنجان مرتبطة بالبنوك المتخصصة وأن عملية حماية البنوك التي انطلقت بعد أزمة 2008 «أكبر من أن تفشل»

وبناء على هذا التحليل تحاول الإدارة الأمريكية تعميم انطباع مفاده أن ما حدث ليس سوى زوبعة في فنجان مرتبطة بالبنوك المتخصصة، وأن عملية حماية البنوك التي انطلقت بعد الأزمة المالية عام 2008 «أكبر من أن تفشل». هذا ما صرح به الرئيس الأمريكي جو بايدن في محاولة لمنع الناس من سحب أموالهم من البنوك، وأكد بايدن أن الولايات المتحدة ستفعل «كل ما هو مطلوب» لدعم البنوك بعد سلسلةٍ من الإخفاقات التي أثارت مخاوف بشأن الاستقرار المالي، وجاءت تصريحات بايدن بعد أن ضمنت الولايات المتحدة كل الودائع في بنك سيليكون فالي وبنك وسيغنيتشر، اللذين انهارا الأسبوع الماضي.

وامتد تأثير هذا الانهيار إلى خارج الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل مباشر وغير مباشر، ففي بريطانيا قام بنك «HSBC» بالاستيلاء على الفرع البريطاني لبنك سيليكون فالي وسط مخاوف بتأثر 30 – 40% من الشركات الناشئة البريطانية، التي توظف حوالي 50 ألف موظفاً، وفي كندا قامت السلطات المصرفية بالسيطرة على فرع محلي لبنك سيليكون فالي، وقالت الهيئة التنظيمية إنها أبلغت البنوك بأنه انطلاقاً من اليوم وحتى إشعار آخر يجب عليها تقديم تقارير بشكل يومي عن وضع السيولة لديها، وأكدت أن زيادة الضوابط لا تعني وجود أي مشكلة في القطاع المصرفي.

في الوقت نفسه قال متحدث باسم صندوق النقد الدولي في بيان: «نراقب من كثب التطورات والآثار المحتملة على الاستقرار المالي، ولدينا ثقة كاملة بأن صنّاع السياسة في الولايات المتحدة يتخذون الخطوات المناسبة لمعالجة الوضع»، وهناك إجماع لدى المراقبين والمحللين الاقتصاديين بأن أزمة 2008 لن تتكرر، وأن تأثير ما حدث على القطاع المصرفي العالمي سيكون محدوداً، لكننا نذكر أن مثل هذه التطمينات صدرت عن المحللين أنفسهم والهيئات المالية قبل الانهيار المالي عام 2008، فهل يمكننا الوثوق بهذه التصريحات اليوم؟ لعل الإجابة ستكون بحوزتنا قريباً، لكن هذه ليست كل الحكاية.

الحكاية مرتبطة بشركات التقنية في العالم، التي ستتأثر أعمالها بحدة، بما في ذلك شركات موجودة في منطقتنا، وبشكل خاص في كيان الاحتلال، الذي يضم العديد من هذه الشركات. كما يعاني قطاع التقنية من أزمات حادة أثرت في العديد من قطاعات الصناعة وبشكل خاص صناعة السيارات، وتتقدم الصين في هذا المجال محاولة إدراك الولايات المتحدة وتايوان خاصة في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية، وهي بالتأكيد ستكون أحد أهم المستفيدين، إضافة لشركات آسيوية أخرى، من الأزمة التي تصيب هذا القطاع في الولايات المتحدة، لكن الأزمة سوف تسبب المزيد من الأزمات في الصناعات المرتبطة، ما قد ينعكس على الأسواق العالمية برفع جديد على الأسعار، وهذا يعني زيادة التضخم، والعودة إلى رفع نسبة الفائدة التي كانت السبب الأصلي للأزمة، وتبدو الأمور كأنها حلقة مفرغة يكاد الاقتصاد العالمي يدخل فيها إذا لم تحدث تطورات مهمة تعيد الاستقرار إلى الأسواق.

أهم ما يمكن أن يحدث هو إنهاء الأزمات والحروب، لتسهيل تدفق البضائع، وخفض أسعار النقل والتأمين، وأكبر الأزمات اليوم هي الحرب في أوكرانيا، فهل تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتخلي عن زيلينسكي والقبول بانتصار روسي في أوكرانيا؟ وهل ستقبل الولايات المتحدة بالاتفاق السعودي- الإيراني برعاية صينية لتخفيف التوتر في أهم منطقة مصدّرة للنفط في العالم، أم إن الولايات المتحدة ستلجأ إلى حل انتحاري وتستمر في رفع أسعار الفائدة بشكل قد يفاقم الأزمة الحالية؟

إجابات هذه الأسئلة غير مهمة في اللحظة الراهنة، لأنها تتبع لسياقات ما زالت آخذة في التشكل، كذلك علينا عدم المبالغة في أمنيتنا بأن الاقتصاد الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة سينهار في القريب العاجل. ما يحدث هو أن الرأسمالية تسير إلى مصيرها المحتوم، وأن كل أزمة تشكل مسماراً جديداً في نعشها. لا يكفي أن نجلس وننتظر كما فعل العالم عام 2008، ففي كل مرة تخرج الرأسمالية من أزماتها أشد شراسة ووحشية، علينا كدول العمل معاً لإيجاد تكتلات اقتصادية بنظام اقتصادي بديل يقلل من آثار الانهيار القادم على شعوبنا ومجتمعاتنا.

كاتب من الأردن

أقرأ أيضاً:

أزمة المصارف الأمريكية.. لنوسع الدائرة؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار