أمانة محمد الحرامي

تشرين – د. رحيم هادي الشمخي:

في حياتنا اليومية أمثال وعِبر تذكّرنا بأصدق المعاني الاجتماعية والتربوية، إذ كانت العائلة أو الأسرة في البيت الواحد تعيش السراء والضرّاء، سواء في الأحاديث الجميلة أو القصص الشيّقة أو «الحواتيت» المضحكة أو ذكريات ذلك الزمن الجميل الذي عاشه أجدادنا الكرام، وهم بالرغم من بساطة العيش وضنك الفقر لكنهم يرسمون لأطفالهم وأسرهم ملامح الانسجام والأخلاق الحسنة في الأسرة الواحدة.
كانت في تلك الأسر والعوائل (جداتنا وأمهاتنا) يلعبن دوراً كبيراً في توجيه من يسكن في البيت، جنباً إلى جنب مع الرجل، وكان التوجيه ينطلق من أعماق أرواحهن وقلوبهن، ولاسيما في تربية الأطفال، فالطفل يولد صفحة بيضاء ينقش عليها المربي ما يشاء، تلك حكمة تربوية، وعلى هذا الأساس كانت جدّاتنا وأمهاتنا عندما يتمرد الطفل في البيت تقول له الجدّة أو الأم (إجاك محمد الحرامي) فما قصة هذا الرجل الذي اسمه يخافه الأطفال، والذي كان حرامياً، أي سارقاً معروفاً في المنطقة.
محمد الحرامي كان لصاً بارعاً لكنه عندما يصطدم بالحقيقة الدامغة يقف أمامها- وهو درس للذين ينهبون أقوات البشر في هذا الزمن الرديء- وفي يوم من الأيام دخل (محمد الحرامي) بيته فسمع زوجته تقول (لا نملك سكراً في البيت)، فخرج من بيته قاصداً أحد البيوت في المنطقة ليسرق السكر، ولما دخل أحد البيوت وجد عدّة أكياس، فتح أحدها وتذوّق ما في داخله، فوجده ملحاً، وبعد تأمّل قصير قال لنفسه: (لن أسرق هذا البيت الذي ذقت ملحه).
ما نريد أن نقوله إنّ الذين يخونون أهلهم وأصدقاءهم وربعهم، وقد أكلوا في بيوتهم وذاقوا ملحهم هم خانوا مجتمعهم وأسرهم وعلاقاتهم الشخصية، وأكثر مثال هو (عفة) محمد الحرامي، لص لم يسرق أهل الدار لأنه ذاق ملحهم، هي عبرة وموعظة أكتبها لأولئك الذين لا ذمة لهم ولا ضمير ، ولا يحترمون قدسية الزاد والملح، وما أكثرهم، وقديماً قالت العرب (من أكل زادك وملحك صار منك).

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار