الأزمة الأوكرانية تعمّق التبعية الأوروبية لواشنطن
تشرين:
تحدثت صحيفة «التايمز» البريطانية عن تبعية أوروبا ودول حلف شمال الأطلسي «ناتو» للولايات المتحدة، لافتة إلى مناورات دبلوماسية وحالة أخذ وردّ بشأن إرسال دبابات «ليوبارد» الألمانية إلى كييف، انتهت كما هو متوقع بانصياع برلين لرغبات واشنطن والمخاطرة بعلاقاتها مع روسيا.
وقالت الصحيفة: دبابات «أبرامز» التي وعدت الإدارة الأمريكية بإرسالها إلى كييف، لإرضاء ألمانيا وطمأنتها بشأن تحركها لتزويد أوكرانيا بدبابات “ليوبارد” لن تصل إلى البلاد قبل مضي عدة أشهر، لكن على الرغم من هذه الحقيقة فإن قرار واشنطن بإرسال دباباتها كان عنصراً حاسماً في رقصة دبلوماسية مدروسة فتحت المجال أمام تدفق الأسلحة الغربية الثقيلة إلى النظام في كييف.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدولة التي لديها الدبابات الأكثر ملاءمة لأوكرانيا هي ألمانيا، التي زودت الحلفاء في “ناتو” بدبابات “ليوبارد 2″، وهم ضغطوا عليها للحصول على موافقة برلين لنقلها إلى كييف، مبينة أن ألمانيا، التي لا يزال تاريخها في الحرب العالمية الثانية، يشكل عبئاً ثقيلاً عليها ترددت في أن تكون المورّد الرئيس إلى أوكرانيا، خوفاً من تفاقم علاقتها مع روسيا.
وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” نصحت بعدم إرسال دبابات «أبرامز» التي تحتاج إلى صيانة وإمداد عال وتستهلك كميات هائلة من الوقود إلى كييف، وفي محادثات متوترة مع واشنطن طالب المستشار الألماني أولاف شولتز بأن ترسل الولايات المتحدة دبابات «أبرامز» كغطاء لنقل دبابات «ليوبارد 2 » الألمانية إلى أوكرانيا.
ولفتت «التايمز» إلى أن هذا الإعلان الألماني دفع المسؤولين في فنلندا وهولندا وإسبانيا إلى القول إنهم أيضاً سيرسلون دبابات إلى أوكرانيا، وسيبدأ تدريب أطقم الدبابات الأوكرانية على الفور تقريباً في ألمانيا.
الصحيفة البريطانية أكدت أن هذه الأحداث تكشف مرة أخرى اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة في مساعدة أوكرانيا ضد روسيا، وأنها تظل عرضة لتقلبات السياسة الداخلية الأمريكية، حيث قررت الحكومة البريطانية الشهر الجاري إرسال سرب من دبابات «تشالنجر 2 » ومدفعية إضافية إلى كييف، لتشجيع الحلفاء الأوروبيين على زيادة دعمهم لأوكرانيا جزئياً، بسبب القلق من عدم قدرة بايدن على الاستمرار بالحصول على دعم الحزبين لتدفق المساعدات بمليارات الدولارات إلى كييف.
ووفقاً للصحيفة يرى الحلفاء الأوروبيون أن النزاع في أوكرانيا كشف عن فشل القارة الأوروبية في تطوير ما يسميه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاعتماد الذاتي الاستراتيجي على الرغم من الخوف، بعد أن هدد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من “ناتو”، واضطرت ألمانيا لقطع مسافة طويلة في نظرتها الاستراتيجية منذ بدء الأزمة الأوكرانية.
إلى ذلك، أكد موقع «كومن دريمز» الأمريكي، تورط الولايات المتحدة المتزايد في أزمة أوكرانيا ومسؤوليتها عن نشوب هذه الأزمة في المقام الأول، ما يجعل لزاماً على واشنطن أن تجلس هي الأخرى إلى طاولة الحوار.
ويرى الموقع أن الأزمة الجيوسياسية، التي مهدت الطريق أمام ما تشهده أوكرانيا حالياً، بدأت بانتهاكات “ناتو”، ونكثه بوعود قطعها حول عدم توسيع وجوده شرق أوروبا، والاندفاع باتجاه الحدود الروسية، مشيراً إلى أن هذه التفاعلات الخطرة وصلت إلى مرحلة الغليان بعد الإعلان عام 2008 أن أوكرانيا ستصبح عضواً في “ناتو” المعادي لموسكو.
ويتابع الموقع: تفاقم الوضع أكثر بعد دعم الولايات المتحدة الانقلاب ضد حكومة الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوريشينكو الشرعية والانقسامات الحادة التي نتجت عن ذلك بين الأوكرانيين أنفسهم، وما تبعها من الحرب التي أطلقتها الحكومة الجديدة في كييف ضد جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، قُتل خلالها أكثر من 14 ألف شخص.
كما أشار الموقع إلى اتفاقية مينسك التي أسست عام 2015 وقفاً لإطلاق النار استمر بشكل نسبي، رغم انتهاكات كييف المستمرة له سبع سنوات، مبيناً أن المستشارة الألمانية السابقة آنذاك أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند اعترفا بأن قادة الغرب وافقوا على اتفاقية مينسك، بهدف واحد فقط، هو شراء الوقت لتسليح كييف.
وأوضح الموقع أن الولايات المتحدة وبريطانيا رفضتا دعم الاتفاقية التي توصل إليها الجانبان الروسي والأوكراني في آذار عام 2022، والتي كانت تشمل بنوداً لحل القضايا المتعلقة بجزيرة القرم ودونباس، وعوضاً عن ذلك قامت كل من لندن وواشنطن بإقناع كييف بالتخلي عن المفاوضات مع روسيا بحجة أن الفرصة مواتية للضغط على موسكو، لكن هذا القرار أدى إلى إطالة أمد الأزمة وتعقيدها ووقوع آلاف الضحايا البشرية.
وأكد الموقع أنه عوضاً عن إرسال مزيد من الأسلحة لتأجيج الأزمة في أوكرانيا من دون أي طائل أو أفق للخروج منها، كان من الأجدى بقادة الغرب أن يسارعوا إلى بدء المفاوضات من جديد، والعمل على نجاحها هذه المرة، فأي مهزلة سياسية كالتي نفذتها لندن وواشنطن في نيسان الماضي لإفشال المحادثات يمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية، ليس بأوكرانيا فقط، بل في العالم بأسره.
ورأى الموقع أن المسؤولية تقع على الولايات المتحدة والغرب بإنجاح أي مفاوضات مستقبلية لحل الأزمة في أوكرانيا، وأن عليهما تقديم الاقتراحات والعروض، بما في ذلك الموافقة على المشاركة في الضمانات الأمنية المشابهة للتي توصلت إليها موسكو وكييف في آذار الماضي، وقامت لندن وواشنطن بتخريبها.
نقاط أخرى اعتبر الموقع أنها مهمة للغاية، مثل رفع الغرب العقوبات المفروضة على روسيا كجزء من اتفاقية سلام شاملة، وتقليص عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين في أوروبا، وإزالة الصواريخ الأمريكية من رومانيا وبولندا، وكلها تحركات تقصدت واشنطن القيام بها لتصعيد المواجهة مع روسيا التي طالما حذرت من خطورة هذه الخطوات، وأكدت استعدادها للدفاع عن أمنها، ولاسيما في ظل الحشد العسكري المتزايد لقوات حلف “ناتو” على حدودها.