قصص كولادة حلمٍ من رحم مصعد
تشرين- راوية زاهر:
رغم أنّ عنوانها (قصتي)، غير أنها (قصص) لخمسة عشر قاصاً..
هم الذين فازوا في المسابقة الدورية لفريق (كن كاتباً) المؤلف من ثلة من الكتاب المتشعبين من العالم العربي، وليبصر النتاج نوره بكتيبٍ صادر عن دار نشر الوهيبي بعناوين باذخة وجذابة وأحداث فارهة تزخرُ بها كلّ قصة، إذ تختزن عالماً من الجمال المتنقل، والحبكات المتلاحمة والصراعات التائهة المتصاعدة في جنون الحياة الاجتماعية والقيمية، وتأتي أهمية هذه العناوين المدهشة كعتبات نصيّة في دورها كما أسلف الكثير من النقاد في تشييد البنيان النصي للعمل الأدبي من خلال علاقاتها مع المتون الأدبية من بداية النص حتى نهايته، فما بين (اقتفاء رؤية، وليس ذنبي، وخيانة الأراجوز، وأمنا الأرض، وأشياؤنا المهملة، وذاك السقوط الحر) للكاتبة فاطمة هاشم، والتي ألقتها بكامل لباقتها وعمقها على خشبة مركز ثقافي« أبو رمانة» بدمشق خلال التكريم مؤخراً، وأنسنة دموع القنديل وعطش البتول وغيرها من القصص المنوعة مختومة بصورة جماعية حظيت هذه العتبات بالموقع الأول من فضاء العتبات لما حملته من حساسية كبيرة في تشييد معالم النص وإقامة بنيانه.
وقصة (أمنا الأرض) للكاتبة خلود برهان، إحدى القصص الفائزة في هذه المسابقة، عنوان أدخلنا في أتون الانفصال والانفصام الذي عاشته الكاتبة أثناء سلخها عن كوكبها الأم (الأرض) بإرادتها لتعيش اغتراباتها الموحشة برموز الألوان الرمادية والزرقاء، والمرض الجرثومي الذي عزّز الانفصال بزمان متطاول ومكان معلق بين السماء والأرض، فكل لحظة كانت زمناً متوتراً ينصب في زمن متوتر لتتفاعل الأزمنة وتجري تياراً يأخذنا ويأخذ البطلة إلى حيث لا نكون لتصاب الأخيرة بتشويه داخلي، وليقودنا الحدث إلى صراعٍ خارجي متمثلاً بعلاقتها المتوترة مع عائلتها، ومع زملاء الفضاء وفصلها وكبسولتها عن المركبة ليتحول الصراع إلى داخلي ينهشُ الموتُ جسدها.. فكان الموت هو الخصم الذي تنفتح عليه القصة، فالقمرة المنفصلة والوحدة والمرض؛ كلها أوجه للموت ليجعل منها أشلاء لا تلتئم.
وكانت اللغة العلمية المرتبطة بالفضاء مسيطرة على معجم الكلمات بداية (الكوكب الأحمر، المركبة، الكبسولة، الفضاء).. ومع دخول الكاتبة في صراعٍ مع نفسها تحولت اللغة إلى شاعرية وتحليق في عالم المجاز(ركبتُ حصان العناد، ينهش العناد، ابتلعت حزني..).
كما بدت الانطباعات حزينة وتراجيدية ونهاية مفتوحة على العدم.. وليكون السقوط الحر للكاتبة فاطمة هاشم صورة للتعبير عن عالم يعج بالنفاق..
وتستخدم الكاتبة ريم محمد في قصتها (أشياؤنا المهملة) الأنسنة في أروع مشاهدها، بينما تعالج الكاتبة رزان مصطفى ندوب الحرب وما خلفته على روح الإنسان من خراب بعرضها قضية الأطفال غيرالشرعيين المولودين من رحم القهر والحرب، ولا يبخل علينا الكاتب نبيل نجار بعرض قصته (فناجوشي جشن) بأسلوبٍ ساخر، ولغة نابية للشخصية تعكس حالة التشظي والنزق والشيخوخة، وعدم الرضا عن معاشه التقاعدي الذي حرمه متعة شراء تبغٍ فاخر، وتشبيهه بشخصية معلم الفنون القتالية كنوع من السخرية..
فالقصص برمتها تركت انطباعات متنوعة بين رضا واشمئزاز وقلق وخوف ويأس، وكان لتقنيات القص حضور جريء من أنسنة، فقد حولت ريم محمد بمشهدية فذة الورق والحبر والكلمات إلى جثث، وسمعنا أنين الكلام وفوضى الشعور والألفاظ التي تُصلب وتقتل وتسحل في المشرحة، و تقنيات الإضمار والتناص وفيض المعنى وغيرها، في إظهار واضح لنجاح باكورة هذا النتاج الأدبي.