قصة رغيف الخبز من حبة القمح إلى “شباك الفرن”..حكاية هدر وسيرة لا تسرّ الخاطر
تشرين-باسم المحمد:
بقي رغيف الخبز وجودته الشغل الشاغل للمستهلكين خلال العقود الماضية، سواء من حيث طريقة تصنيعه أو من ناحية الوزن، وأصبحت الشكاوى من المواطنين روتيناً يومياً من دون الوصول إلى الحلّ الأمثل الذي يضمن حقوقهم في النوعية والجودة، وبقيت مخابز المدن الكبرى تختلف بمنتجاتها عن الصغرى، والقريبة من الجهات الوصائية أفضل من البعيدة عنها، لا بل هناك اختلاف في جودة ووزن الخبز من منفذ بيع إلى آخر ضمن الفرن نفسه وهذا ما تحاول “تشرين” الإضاءة عليه في محاولة لمعرفة أساليب الغش وأسباب اختلاف الجودة..
رأي خبير
خبير في إنتاج الخبز وأحد مديري الفروع السابقين لـ”السورية للمخابز” والذي فضّل عدم ذكر اسمه بيّن أن المخابز هي الحلقة الأخيرة في إنتاج هذه المادة وهي تتحمل العبء الأكبر وتبعات الإنتاج لأنها على احتكاك مباشر مع المواطن و”التموين”، لذلك لا يمكن القول إن الخبّاز وحده من يتحمل مسؤولية سوء إنتاج الخبز بشكل كامل، وتظهر مسؤوليته في تقديم الصنعة وهي تكون ظاهرة حسب جودة المواد الداخلة لتحقيق رغيف جيد..
خبير: الأقماح المستوردة لا تأتي بجودة مقبولة وغالباً ما تكون من أسوأ الأنواع
وعدد الخبير المراحل التي يمر فيها الإنتاج وصولاً إلى الخبز المنتج الى المستهلك وعمليات الغش أو سوء الإنتاج، والمرحلة الأولى؛ القمح الداخل في عمليات الطحن ونوعيته، عادّاً إياه الأساس لتحقيق جودة الدقيق وبالتالي الخبز، ومصدره إما من الأقماح المحلية ولدينا الأفضل لإنتاج الخبز بنوعيه القاسي والطري ضمن خلطة طحنية معينة (60% طري و40% قاسٍ)، أو الأقماح المستوردة وهي طرية بنسبة ١٠٠%، مؤكداً أن المحلية لا إشكالية عليها شرط أن تتم عملية الطحن بشكل جيد، أما المستوردة فلا تأتي بجودة مقبولة وغالباً ما تكون من أسوأ أنواع القمح، بدليل أن أغلبها يكون مصاباً بفطر “الآرغون” وتأتي تعليمات بحرق نواتج الغربلة وإتلافها، وبالتالي فاستخراجها ضعيف وكذلك يكون فيها الغلوتين قليل وهو الأساس في تشكيل شبكة الغلوتين أثناء العجن وإعطاء العجين قوامه وقابليته للتشكيل والرق ونسبة البروتين متدنية، علماً أن دفاتر الشروط الموضوعة للاستيراد تكون مثالية، لكن الواقع مختلف..!
٨٠% من المطاحن العامة تعمل بشكل سليم، و٩٠% من الخاصة تعمل بالغش والتلاعب
عمليات الطحن
لينتقل بعدها الخبير إلى المرحلة التالية وهي عمليات الطحن التي تحصل إما في مطاحن عامة و٨٠% منها يعمل بشكل سليم تنتج دقيقاً جيداً، أو في مطاحن خاصة ٩٠% منها تعمل بالغش والتلاعب وإنتاج دقيق غير مطابق للمواصفات بطرق كثيرة منها عن طريق استبدال القمح القاسي المقدم لها بأقماح رديئة أو إضافة النخالة إلى الطحين بنسبة عالية؛ أي رفع نسبة الاستخراج، وسحب ما يقابلها من القمح الجيد وأيضاً سحب طحين “الزيرو”، وأغلب المزايدات التي تجريها هذه المطاحن لبيع نواتج غربلة الطحين هي وهمية لأشخاص تابعين للمطاحن الخاصة لتبقى هذه النواتج لديها وتعيد تدويرها، كما يتم تزوير جميع النتائج لاختبارات الرطوبة والحموضة والاستخراج.. ليصل الدقيق إلى الأفران مخالفاً بالمواصفات حيث نلاحظ أن كلّ مطحنة تنتج دقيقاً مختلفاً عن الأخرى علماً أن مصدر القمح واحد..
أغلبية الخميرة المستوردة غير صالحة
الخميرة
والأمر الثالث الذي ذكره الخبير هو الخميرة ولها نوعان؛ جافة وطرية، الجافة مستوردة بالمطلق عن طريق تجار يسلمونها للمخابز، وأغلبيتها غير فعالة يتم استلامها بتزوير الوثائق، أما الطرية فهي محلية الصنع وجيدة لكنها مقطوعة من السوق لغاية في نفس يعقوب..!
المخابز
ليصل الخبير أخيراً إلى المخابز مشيراً إلى أن ٨٠% من المخابز الآلية تنتج خبزاً سيئاً، وهي كلمة حق يراد بها باطلاً، مبيناً أن أغلبية مشرفي المخابز يتلاعبون بمدخلات الإنتاج والنتيجة خبز سيئ، فلا توضع الخميرة كاملة حسب المعايير المعتمدة، ولا يضاف الملح المطلوب إلى العجين، ولا الزيت النباتي الذي يجب أن يضاف إلى “السلندرات”، ثم التلاعب بالوزن فيتم التلاعب بمقاييس القطاعة التي من المفترض أن تخرج قطع عجين بوزن معياري 190 غرام تقريباً.. ولا يتم فتح “الرقة” بشكل جيد، بهدف جعل العجين فيه سماكة لكي يحافظ على بخار الماء في الخبز فيزيد وزنه بمعدل ٢٠ غراماً في كل رغيف، ليصل مجموعه إلى ١٠٠ غرام تقريباً في الربطة، موضحاً أن رغيف الخبز يحب أن يتراوح قطره بين 33 و35 سم، وهذا غير محقق في أغلب الأفران، كما أن لزمن الشواء دوراً مهماً إذ يوجد في كل المخابز زمن شواء بطيء وآخر سريع، يتم تسريعها ليصرف بيت النار مازوتاً أقل ويزيد الإنتاج على حساب الجودة (ليسرق) فبدلاً من صرف ٦٠ ليتراً يصرف٤٠ ليتراً، أو يضعف كمية المازوت الداخل في عملية الاحتراق، وهنا يخرج الخبز “شميط” غير ناضج (أي بالعامية مانو مستوي)، يصبح طعمه حامضاً بعد تخزينه أو تغليفه ضمن أكياس النايلون وغير قابل للأكل بعد مرور مدة زمنية قصيرة من بيعه.
توصيات
وبرأي الخبير فإن الحصول على الخبز الجيد يتطلب البدء بمخابر المؤسسة العامة للحبوب ووضع أشخاص أكفاء نزيهين حتى يتأكدوا من جودة الدقيق وفق المعايير، ويمكن أن يكونوا تابعين لجهة غير المؤسسة مستقلين للوزارة مثلاً، وتشديد الرقابة على المطاحن الخاصة التي تحتوي على مكامن كثيرة للهدر والفساد، ومطاحن القطاع العام ولاسيما في موضوع الصيانات الوهمية، وإلغاء العقود مع المطاحن الخاصة والاعتماد على القطاع العام، فهناك خلل كبير فيها، متسائلاً: كيف يتم تسليمها مليارات الليرات قيمه الأقماح من من دون لجان ولا حراس ولا أوصياء عليها، والعمل على إنتاج خبز نسبة الرطوبة فيه لا تتجاوز الـ ٢٥%، وهذا يتحقق عن طريق طول سير التبريد، وإلغاء المعتمدين وفتح منافذ البيع من الأفران مباشرة للحصول على خبز طازج ويقوم المواطن بنقله وتبريده بشكل جيد، فالمعتمد أثناء النقل والتكديس يسيء للمنتج ويصل “معجناً ومحمضاً”.
١٠٠ غرام النقص في كل ربطة بسبب عدم الانضاج وسوء التصنيع
مطالباً في الوقت نفسه بتخفيف الضريبة على الأفران العامة والخاصة، مؤكداً أنه بالنسبة للخاص يجب محاسبته على أساس ضريبة 110% والعام 115% بشرط الجودة؛ أي إنتاج خبز مبرد بشكل جيد.. وبالنسبة للأسعار الحالية وتكاليف الإنتاج، فلا تغطي الأفران التكاليف رغم كل المحاولات لتحقيق ذلك من دون جدوى، فتكلفة الربطة وزن 1100 غ حالياً 240 ل. س بعد تقديم الخميرة وأكياس التغليف مجاناً، وبعد المطالبة بإعادة أكياس البولي بروبلين كاملة إلى المؤسسة أصبحت الخسائر كبيرة.
معلومات للتذكير
يشار إلى أن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور عمرو سالم كان قد تحدث خلال شهر أيلول الماضي لصحفيي مؤسسة الوحدة عن تحسن جودة رغيف الخبز في معظم الأفران بمختلف المناطق، مبيناً أنه شخصياً ضد نظام المعتمدين والمعتمدين أنفسهم لوجود حلاقين ومكاتب عقارية و”كومجية” أصبحوا معتمدين، وأكد سالم أنه من خلال دراسة تكاليف الإنتاج تبيّن أن الأفران الخاصة خاسرة ما يدفعهم لارتكاب المخالفات رغم العقوبات والغرامات، لذلك تدرس الجهات المعنية تعويضهم في القريب العاجل “حينها” وستتخذ قرارات خلال الأسبوع القادم.
كما أن مدير عام السورية للمخابز المهندس مؤيد الرفاعي وفي اليوم نفسه كان قد تحدث في تصريح لـ” تشرين” عن أسباب تفاوت نوعية الخبز بين مخبز وآخر مبيناً أنّ رغيف الخبز المنتج في المخابز التابعة للمؤسسة أغلبه ذو جودة جيدة ويعدّ أفضل بكثير من الخبز المنتج بالمخابز التموينية الخاصة مع وجود بعض العوامل تؤدي إلى تفاوت بسيط بالنوعية والتي تتمثل بمساحة صالة الإنتاج بالمخبز، حيث إن كبر مساحة الإنتاج تؤدي إلى حصر الحرارة ضمن صالة الإنتاج ولاسيما خلال فصل الشتاء وهذا له تأثير مباشر على سرعة نضوج وتخمر العجين، إضافة إلى العمر الزمني لخطوط الانتاج، إذ إنّ ساعات العمل الطويلة والمستمرة تؤثر بشكل مباشر على الآلة مع مرور الزمن ما يتطلب تحديث خطوط الإنتاج بشكل دائم حرصاً على استقرارية نوعية الإنتاج، وكذلك اختلاف نوعية الدقيق المنتج في المطاحن /التحبب– نسبة النخالة/ تبعاً لعمر المطحنة، موضحاً أنّ المخابز تلجأ في هذه الحالة لعملية المزج بين أكثر من نوع دقيق للوصول إلى منتج جيد، ناهيك بالعامل البشري الذي يلعب دوراً في ذلك حيث إنّ أغلب مشرفي المخابز (الاحتياطية) أبناء حرفة صناعة الخبز والتي تم توارثها من الأب إلى الابن، أما في مخابز الإدارة (الآلية) فقد تسرب عدد كبير من أصحاب الاختصاص ولاسيما العجانين والفنيين، الأمر الذي اضطر العمل على رفع مستوى الكفاءة لدى عمال المخابز الآلية من خلال الاستعانة ببعض خبرات مشرفي المخابز الاحتياطية بالتوازي مع تحديث خطوط الإنتاج، وهذا ما انعكس على جودة رغيف الخبز في كثير من مخابز الإدارة التي أصبحت تضاهي مخابز الإشراف النوعية كمخبز المزة في دمشق ويبرود والنبك بريف دمشق، والضاحية في حمص والجولان في طرطوس، وآذار في حماة والأميري في حلب وجبلة والقرداحة في اللاذقية وغيرها من المخابز.