مهما قلنا عن صناعة الأدوية إنها تختلف عن غيرها من الصناعات من حيث الأهمية، لارتباطها بالصحة العامة وإنها مسألة حياة أو موت للمرضى، فإن الاتكال على القطاع الخاص في تأمين احتياجات السوق من أغلبية الزمر الدوائية سيجعل من هذه الصناعة كغيرها، يبحث أصحابها عن الربح بغض النظر عن التأثير على “الزبائن” من المرضى، فالغاية الأولى من أي استثمار هي تحقيق العائد.
كانت للصناعات الدوائية السورية سمعة ممتازة محلياً ودولياً جعلتها قبل الأزمة مطلوبة من مئة دولة، وهذا لم يكن بسبب مواصفاتها الجيدة فقط، بل لقدرتها الكبيرة على المنافسة السعرية، لما كانت تتلقاه من دعم كبير كغيرها من باقي القطاعات أيام الوفرة والرخاء.
أما اليوم فهي صناعة تعاني من نقص وغلاء مدخلات الإنتاج وعدم استقرار أسعار المواد الأولية، وأصبحت كغيرها من السلع عندما تتقلب أسعار الصرف يتجه منتجوها وموزعوها إلى إخفائها مباشرة طمعاً في تحقيق المكاسب أو تأمين متطلبات البقاء في السوق.
والسؤال الذي يطرح نفسه: طالما أن معامل القطاع العام غير قادرة على تلبية كامل احتياجات البلد من الأدوية، وأن معظم المواد الأولية الداخلة في صناعة الأدوية مستوردة، فلماذا لا توجد مرونة في عملية تسعير الدواء مع رفع سعر صرف دولار المركزي، الأمر الذي يؤدي إلى حصول اختناقات ونقص واحتكارات وتصريحات متناقضة حول مستقبل الشركات الدوائية؟
هل من المقبول أن يضاف إلى معاناة المرضى بين الفينة والأخرى مشكلة فقدان الدواء والبحث عنه وكأنه مازوت أو بنزين؟
حل هذه “المعضلة” يجب ألا يبقى متروكاً لعوامل العرض والطلب لأن حياة كثير من الناس مرتبطة بالدواء، فإما أن تتولى شركات القطاع العام إنتاج مختلف احتياجات الدواء وبالكميات المطلوبة، أو أن تكون لدى متخذ القرار معادلة ونموذج اقتصادي يمكنّه من إصدار سعر جديد مع كل ارتفاع لتكاليف الإنتاج أو إيجاد طريقة معينة لدعم المنتجين وبشكل مباشر لكي لايلجؤوا إلى ما هو دارج في باقي السلع والمواد ..