عندما صدر قرار تعديل المسار الوظيفي لمعاوني الوزراء والمديرين العامين كنت في مقابلة صحفية مع أحد المديرين، حيث أبدى ارتياحه وبهجته بالتعديل الجديد، لكونه من أصحاب الكفاءة والخبرة والكف النظيف حسبما اعتقد، لكن في المقابل أجزم أن مديرين كثراً امتعضوا من تحديد ولاية المديرين العامين مع إنهم لا يملكون الصفات المطلوبة لتولي هذا المناصب المهمة، التي تجعلهم مزاياها وعطاياها الدسمة بغض النظر عن الراتب “الضعيف” طامحين في البقاء على كراسيها إلى أبد الآبدين.
تعديل المسار الوظيفي يعد خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، إلّا أن المدة المحددة تبقى طويلة في عمر الأمم، ولاسيما أنها لم ترفق بمعايير واضحة تتابع الأداء وتقيّمه دورياً بعين مفتوحة وفاحصة، فإذا لم يثبت من يتولى هذه المناصب جدارة قيادية خلال عام مثلاً، مدعمة بنتائج جيدة في إدارة الموارد المالية والبشرية، وإخراج المؤسسات من فخ الخسارة أو التخسير والتبلد الإداري، يتوجب المحاسبة والمساءلة عبر الإقالة والاستبدال بآخرين أكثر كفاءة وخبرة، فمن غير المعقول البقاء خمس سنوات من دون جردة حساب فعلية للأعمال المنجزة والخطط المنفذة والأرباح المحققة، بعيداً عن داء المحسوبيات، التي لن يلغيها القرار الجديد إلّا عند وضع معايير دقيقة تفرمل نفوذ هذه الشبكة المنتشرة بكثرة وتحد من الفساد الإداري، الذي يعد أحد أسباب ما وصلنا إليه، ولا يقلّ خطورة عن الفساد المالي، فحينما تسلّم إدارة مؤسسات لها وزنها إلى أشخاص لا يملكون الكفاءة العلمية والإدارية والخبرات المطلوبة، ويعيَّنون بناء على علاقات شخصية، ستكون هذه المؤسسات باباً للمكاسب الفردية الطاردة للكفاءات وعبئاً على الخزينة، حينما تتعاظم الخسائر في وقت يفترض أن تكون مصدراً داعماً ورافداً مالياً لها.
تحديد الولاية الوظيفية لمعاوني الوزارء والمديرين، كانت ستصبح أكثر جدوى اقتصادية وإدارية لو قلّصت المدة إلى 3 أو 4 سنوات مع معايير واضحة للتقييم والمساءلة والكفاءة، فمبدأ العقاب والثواب ضروري في الإصلاح الإداري الذي يفترض ألّا يكون مرهوناً بوزارة واحدة، وخاصة أن ذلك يسير ببطء شديد، من دون نتائج على أداء الوزارات والمؤسسات “تفش الخلق” حتى الآن، بل على العكس ما نشاهده يدعو إلى التشاؤم في ظل اتساع رقعة الفساد المالي والإداري، الذي يعد الخطوة الأولى للحد من انتشاره تصحيح سلم الرواتب والأجور والتعديل حسب الكفاءة والخبرة والمؤهلات وفق مراتب وظيفية مدروسة بدقة، ومن دون ذلك سيبقى الإصلاح الإداري كلاماً في كلام مهما اتخذت من قرارات وخطوات بما فيها تعديل المسار الوظيفي لأصحاب المناصب القيادية.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات