المواطن الصالح والمجتمع.. حبّ الوطن يفرضه الشرف والقانون أم هو سلوك تهذبه التربية؟
تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
شاءت الظروف أن أجلس مع صفوة الشباب المتفوقين علمياً وخلقاً، وتطرّق بنا الحديث إلى شؤون الوطن وشجونه، وبدأ الحديث مرحاً خفيفاً عندما جاء ذكر ما كان يتغنى به الموسيقار العظيم (محمد عبد الوهاب) في أغنيته الشهيرة (حبّ الوطن)، والتي حظيت في وقتها بترحيب وطني وقومي في كل أنحاء الوطن العربي.
حبّ الوطن فرض عليه.. أفديه بروحي وعنيه..
ثم زادت سخونة وعمق الحوار، عندما طرحت عليهم سؤالاً أردت فيه أن استكشف عن طريقه مفهوم الشباب عن ماهية حب الوطن، وهل هو حقاً كما يقول الفنان (محمد عبد الوهاب) فرض يحكمه الشرف والقانون، أم هو مشاعر تنشأ ثم تنمو داخل النفس والوجدان، هل هو عقيدة يدعمها الإيمان؟ أم هو سلوك تهذبه التربية وتضبطه ظواهر محددة من الأفعال والأعمال قبل الأقوال؟ وخرجت من جلستي هذه بشيء قليل من الإحباط والقلق، بعد أن تبيّن لي أنه لم يكن هناك لدى أفراد تلك المجموعة مفهوم موحد لمعنى الوطن والمواطنة، ولمفهوم المواطن الصالح على وجه التحديد، وقد يكون الاختلاف في الجزئيات الفرعية مقبولاً، بل مطلوباً باعتباره حرية رأي مرغوباً توافرها لانطلاق الفكر وتحرره، أما أن يكون جوهر التعريف الدقيق لمعنى (المواطن الصالح) غائباً عن التجديد الواضح، فقد لاح لي أن تلك ظاهرة تستحق الكثير من القلق.
وفي جلسة تالية مع مجموعة من صفوة الرجال والسيدات من جيل أكبر سناً، وأعمق تجربة أعدت طرح السؤال (من هو المواطن الصالح؟)، وكنت أتوقع التوصل من هؤلاء إلى مفهوم محدد، ليس بالضرورة بالإجماع التام، وإنما بالرأي الغالب المتفق عليه.
لقد صدمني أيضاً ما تبين لي من عدم وضوح الرؤية، أحسب أن هذه قضية خطيرة، لم يعطها القائمون على التربية الوطنية في الوقت الحاضر ما تستحقه من اهتمام، فتوفر المعايير الدقيقة لتحديد صفة المواطن الصالح بلا شك لا يقل أهمية إن لم يكن أخطر بكثير من وجود معايير معروفة ومتفق عليها، لتحديد الفنان صاحب الفن الرفيع، والأديب المبدع للأدب الراقي، والعالم صاحب العلم النافع لتمييز هؤلاء جميعاً عن أصحاب الفن الهابط والأدب الرخيص والعلم الضار، هل يا ترى المواطن الصالح هو الذي يتغنى في الليل والنهار بحب الوطن؟ غير أن مثل هذه المسؤولية التي أحسبها جد خطيرة لا يمكن أن يتولاها عامة الناس، فإن واضعي الدساتير الوطنية، والذين صدرت من خلال أفكارهم عبر التاريخ، تلك الوثائق العظيمة، التي حددت على سبيل المثال حقوق الإنسان وواجباته، لابدّ أنهم كانوا من أصحاب الفكر الثاقب والتجربة الواسعة والسمعة الطيبة والسيرة المحمودة والعلم الغزير.
وأخيراً هي دعوة أوجهها إلى صفوة أهل الفكر في وطننا العربي كي تجتمع كلمتهم بعد حوار واسع وعميق لإصدار وثيقة تضم ذلك التعريف الذي نبحث عنه (من هو المواطن الصالح؟).