الحنينُ للأبيض والأسود.. فقرٌ في الألوان!
تشرين- هدى قدور:
رغم ازدحام الشاشات بالأعمال الدرامية الكثيرة المحلية والعربية والمدبلجة والمترجمة، يبقى الحنين لزمن الأبيض والأسود حاضراً بقوة عند الكثير من المتابعين عندما يتحسرون على «الزمن الجميل» ويعدّونه أكثر صدقاً واتقاناً في العمل الفني.
صحيح أن الدراما السورية قدمت الكثير من الأعمال الحديثة في زمن الملون المتطور، وكانت متفردة فيها، لكنها أيضاً وقعت في الكثير من الهنات والعثرات، فبقي «أسعد الوراق» ومسلسلات دريد لحام تمتلك أثراً أكثر من غيرها حتى اللحظة، وتخبرنا محركات البحث على اليوتيوب أن الباحثين عن عناوين تلك الأعمال من أجل مشاهدتها مرات ومرات، يكبر عددهم رغم انتمائهم للجيل الشاب الذي لم يشاهد تلك الأعمال في حينها.
كثرت في عصرنا هذا الأعمال الدرامية، وقلّت الأعمال المتميزة، كما كثر ظهور النجوم في الوسط الفني، لكنهم يظهرون وكأنهم نسخة واحدة، بسبب عمليات التجميل والتقليد والاستعراض الفارغ الذي يؤكد سطحية النجم أو النجمة وعدم امتلاك مقومات العمق والمهارات الكافية.. الجميع يشيرون إلى نجوم سوقتهم شركات الإنتاج فتمكنوا من الوصول رغم إمكاناتهم المتواضعة، وفي المقابل بقي بعض النجوم مقلين في الأعمال بسبب عدم توافر الفرص المناسبة لشخصياتهم الطموحة في ترك أثر بالغ في ذاكرة المشاهدين.
الأبيض والأسود يظهر خياراً للهروب من زحمة التكنولوجيا وتلفزيونات اليوتيوب التي ملأت الشبكة بملايين الفيديوهات الدرامية المستعجلة والمصنوعة كيفما اتفق. يضاف إلى ذلك غياب عامل الصدق في العمل الفني، فالممثل اليوم في كثير من الأحيان يظهر مثل الروبوت بلا مشاعر مثلما اعتدنا في الماضي، وإن أسوأ ما يقال اليوم عن بعض الفنانات اللواتي وصلن إلى النجومية بعوامل ليست فنية بل بناء على علاقات شخصية ونتيجة جمالهن الذي يحملهن إلى بطولة الأعمال بلا حوامل فنية.
جماليات الأبيض والأسود، أنه يرينا الأعمال بلا رتوش أو أقنعة، وإذا عدنا إلى بدايات تأسيس التلفزيون السوري، نستطيع أن نستنتج التفاني في خدمة العمل الفني من دون انتظار أجر باهظ مثلما يحدث اليوم عندما أثرى الفنانون نتيجة موجات المشاهدة الطارئة على أنواع معينة من المسلسلات. فنجوم الأبيض والأسود، استطاعوا أن يبقوا مشعين رغم تقادم السنوات ورغم كبرهم في السن، فهم لم يخضعوا لعمليات تجميل ولم تسوقهم وساطات تفرضهم عنوة في الوسط الفني.. إنهم نجوم بشكل فطري وهذا أمر يفتقده الكثير من الفنانين اليوم، لذلك لابد من التمييز بين النجم الذي يخفت نوره بعد فترة، مثل أصحاب الأغنيات الهابطة، والنجم الذي يظل مشعاً رغم تقدمه في العمر، والأمثلة على ذلك تشمل جميع نجوم الدراما والغناء القدماء الذين وصلوا إلى التميز بقدراتهم الفنية، وحافظوا حتى اليوم على مكانتهم كنجوم.
بالتأكيد، يختلف العمل الفني عن العمل الوظيفي، أو العمل بهدف الحصول على ثروة، مع اعترافنا بمشروعية حصول الفنان الحقيقي على العائد المالي الذي يستحقه لقاء عمله المميز، لكن أن يصبح الفن خياراً من أجل حصد المال على حساب ماهية العمل، فذلك من الكوارث التي تحدق بالأعمال المسوقة والمنتجة حالياً، لأجل هذا يبقى زمن الأبيض والأسود من الأزمنة الجميلة التي يحنّ إليها الجمهور دائماً، فهي الأصدق والأنبل في خدمة الفن لأجل الفن.