عندما تصبح أخبار “بطولات” كشف الفساد الصغير، الذي يخفي خلفه ما يخفي من ثغرات في القوانين وسوء تطبيقها وفساد أكبر، هي الطاغية على نشاطات الجهات العامة، فهذا لا يُعد من المنجزات التاريخية التي تحسب لها، ولا سيما أن المخالفات المعلن كشفها أصبحت روتيناً يومياً ملّ منه المواطن، بعد أن استنتج أن كثرة الضبوط لم تردع المخالفين ولم تحقق له أي فائدة تذكر.
خبر يوم الخميس الماضي الذي مفاده.. ضبط ٣٢٠ ألف ليتر مازوت في إحدى محطات محروقات حلب تتاجر بها، ولكن بعد أن قام أصحابها بالتخلص من ٣٠٠ ألف ليتر في الأراضي الزراعية المجاورة، سيسبب الإحباط لكل مواطن عجز عن تدفئة أطفاله خلال أيام البرد الماضية، فالكمية التي تخلص منها “المجرمون” تكفي للتوزيع على ٦ آلاف عائلة، كما سيزعج كل فلاح غير قادر على حراثة أرضه وكل صناعي أغلق أبواب معمله لعدم وجود المازوت.
وهنا تطرق عقول الجميع كمية كبيرة من الأسئلة، أبرزها كيف تمت سرقة هذه الكمية الهائلة من المازوت في هذه الواقعة وغيرها العشرات التي يعلن عنها يومياً في عصر البطاقة الذكية والرقابة الإلكترونية؟ ومن قام بإبلاغ أصحاب المحطة بقدوم الدوريات ليزيدوا من إجرامهم ويلقوا بهذه الكمية الضخمة من المازوت في الأراضي الزراعية؟ وما العقوبات التي ستُتخذ بحق وحوش كهؤلاء أساؤوا للمواطنين والقوانين والبيئة والوطن؟…
خبر آخر ورد في اليوم نفسه فحواه: “إيقاف مراقبين تموينيين اثنين عن العمل وإحالتهما للتحقيق، تمهيداً لمحاسبتهما بموجب المرسوم التشريعي رقم ٨، وذلك بسبب قيامهما بابتزاز أحد المحلات”، وكأن انفلات الأسواق وعدم رحمة فعاليات السوق كانت متوقفة على هذين المفتشين اللذين كانا سبباً مباشراً في سوء سمعة ونظافة كف باقي زملائهما!.
بصراحة لم تعد مثل هذه الأخبار تستهوي أو تقنع الجمهور، لأنها لا تنعكس إيجاباً على الواقع المعيشي، وحتى الغرامات “المليارية” التي تحصّلها الجهات الرقابية ليست بالأمر الإيجابي على الخزينة العامة ولا على تطبيق القوانين، لأنها بالمحصلة مدفوعة سلفاً من قبل المواطن، الذي يضطر للتعامل مع الغالب في الأسواق وهو التسعير الكيفي، لذلك فهو يدفع الغرامات المفروضة على لصوص النهار.
هذه الأمور تضعنا أمام احتمالين؛ فإما أن القوانين المتخذة لحماية المستهلك غير كافية، وبالتالي يجب الوصول إلى أفضلها في أسرع وقت، أو أن تطبيق الموجود منها غير فعال، لأسباب عدة أولها الفساد وقلة الكوادر في الوزارات المعنية، لذلك يجب وضع المعايير الرقابية الضامنة لمكافأة الملتزمين ومعاقبة المقصرين.
أما الاستمرار على النهج اليومي في الإعلان عن الضبوط “الدينكشوتية” فهو ليس إنجازاً، لأن حال المواطن عكَسَ المثل القائل: “أن تصل متأخراً خير من ألا تأتي”.