بضاعة رخيصة…؟!

شاءت الظروف انتقالي إلى مدينة حلب، التي كانت حينذاك تنزع آثار سنوات الحرب السوداء وتمضي بهمة أهلها صوب إعادة الإعمار وإن كانت الأموال المخصصة لهذا الهدف الضخم قليلة مقارنة بحجم الدمار المهول، فركام الأنقاض كان ينتشر في كل مكان وخاصة في المدينة القديمة، لكن رغم ذلك كانت العاصمة الاقتصادية لا تزال تحافظ على صيت منتجاتها الجيدة والرخيصة الثمن، المنتجة بأيدي صناعييها الذين أصرّوا على الإنتاج رغم كثرة العقبات والصعوبات، فكان أمراً عادياً أن نجد بنطالاً أو كنزة بسعر ألفي ليرة، أو جاكيت من النوع الفاخر بـخمسة آلاف ليرة.
بضاعة حلب “الرخيصة”، التي يعتقد أبناء المحافظات الأخرى أنها لا تزال على حالها الآن، أصبحت من الماضي غير البعيد، الذي يترحم عليه سكان المدينة وقاصدوها، بعد ما أطاحت موجة الغلاء الجنونية بهذه الخاصية وحرمت المدينة الصناعية من بركتها الاجتماعية والاقتصادية، وخاصة مع الإهمال الواضح لصناعتها، التي تحاول منذ سنوات مقاومة الضغوط وتراكم المشاكل، ما دفع الصناعيين إلى إيجاد حلول ذاتية لمواصلة الإنتاج بشق الأنفس، قبل أن تغلق أبوابها أزمة المحروقات الخانقة، التي تهدد بإغلاق عدد من المنشآت مؤقتاً من جراء ارتفاع أسعار المازوت غير المتوافر وعودة التردي الكهربائي، وفرض تقنين على المناطق الصناعية، التي تضم عدداً كبيراً من المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ما فرمل حركة إنتاجها في ظل خشية صناعييها من عداد الجباية الضريبية والكهربائية غير المكترث بالواقع الاستثنائي الطارئ، الذي يستلزم إجراءات فوق العادة لضمان دوران عجلة الصناعة، التي يفترض منع تعطيلها تحت أي ظرف لاستمرار مد السوق باحتياجاته كي لا نقع في المحظور الذي سيدفع ثمنه كالعادة المواطن مع إنه لم يعد قادراً على تحمل مزيد من الضغوط.
وبمعزل عن انفراج أزمة المحروقات في الأفق القريب، أو تأخره حتى منتصف الشهر القادم كما أعلن، لا بدّ من تعاطٍ مختلف في إدارة القطاعين الزراعي والصناعي، عبر اتخاذ حزمة قرارات داعمة لاستمرار الإنتاج والتشغيل، ومنع الوقوع في مطب الشلل الكلي وإبقاء البلاد في أيدي التجار والمستوردين، المنتفعين الوحيدين من الواقع الصعب القائم، فما الذي يمنع لو شنت حملة كبيرة على السوق السوداء ومصادرة المحروقات المسروقة وتوزيعها على أصحاب المنشآت الصناعية والمزارعين بالسعر المدعوم، مع إعفائهم من الضرائب وفواتير الكهرباء لفترة معينة، وإن كان لزاماً على الفعاليات الاقتصادية في المقابل الوقوف مع البلد في محنته وإطلاق مبادرات داعمة لتخفيض الأسعار وتوفيرها، وبعد مرور هذه الأزمة بسلام، من الضروري منح حلب الاهتمام والدعم الكافيين، حتى تتمكن من استرجاع صيتها السابق في رفد الأسواق بمنتجات جيدة ورخيصة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار