استثمار ضدّ الحصار والدولار.. هل تشهد سورية تنافساً بين رجال «البزنس الحقيقيين» لحصاد الضوء المجاني
تشرين- يسرى المصري:
تولد الفرص من رحم الأزمات.. ومن أزمة المشتقات النفطية والمحروقات نضجت مشاريع الطاقة الشمسية وحان قطافها.. ليس الموضوع جرة قلم أو فكرة تضيء ثم تنطفئ، فالطاقة باتت هاجس كل الدول في العالم واستثمار الطاقات البديلة بات الأكثر جدوى في عالم يتخبط بالحروب والصراعات والأزمات .
ونبدأ من المنطقة الجغرافية الأكثر حميمية والأكثر انفتاحاً على الأفكار الجديدة والمبدعة في سورية: أين وصلت صناعة الطاقة الشمسية، وهل بدأت بعض المعامل بإنتاج الخلايا الكهروضوئية، وماذا عن مشاريع جديدة لصناعة البطاريات التي تختزن الطاقة في الفترات التي تغيب عنها الشمس ؟؟
حسب تصريحات هيئة الاستثمار فإن المشاريع الجديدة خلال العام 2022 تتضمن ثلاثة مشروعات لتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام الألواح الشمسية، الأول باستطاعة 5 ميغاواط، والثاني باستطاعة من 50 إلى 100 ميغاواط، والثالث باستطاعة 10 ميغاواط،.
وفي هذا المجال تقدم الحكومة محفزات ومزايا وإجراءات كثيرة لتشجيع الاستثمارات في مجال الطاقات المتجددة كإحداث صندوق تمويل مشاريع الطاقات البديلة وقانون الاستثمار رقم 18 للعام 2021 ما شجع على إقبال العديد من المستثمرين على هذه المشاريع في ظل الحاجة الملحة لمصادر إضافية بديلة متجددة تدعم المنظومة الكهربائية في سورية.
ويؤكد معاون وزير الكهرباء لشؤون تنظيم قطاع الكهرباء الدكتور المهندس سنجار طعمة أن القانون 32 لعام 2010 نظم الاستثمار بالطاقات المتجددة وفتح الباب للقطاعين الخاص والمشترك المحلي والإقليمي والدولي للاستثمار في مجال التوزيع، مشيراً إلى أن القانون رقم 32 صدرت عنه مجموعة قرارات منها القرار رقم 6 الذي أجاز بيع وشراء الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة بأسعار تشجيعية لنهاية العام الحالي كما تم تعديل المادة 28 من القانون للسماح بربط مشاريع الطاقات المتجددة المتوسطة والكبيرة والتي تصل استطاعتها حتى 100 ميغا على شبكة النقل بعد أن كانت 10 ميغا.
ولفت طعمة إلى أهمية الاستثمار في الشبكات الكبيرة حيث ينعدم التقنين والأعطال فشبكة النقل مستقرة والطاقة متوافرة على مدار الـ 24 ساعة ويحصل المستثمر على أعلى إنتاجية سواء كانت الطاقات شمسية أو ريحية أو معالجة نفايات، لافتاً إلى أن التعرفة للمشاريع الكبيرة أقل من الصغيرة التي تتعرض لمخاطر بسبب وضع الشبكة وظروف الاستثمار.
وعن التسهيلات التي تمنحها الوزارة للمستثمرين في هذا المجال، بيّن طعمة أن القانون 32 سمح للمستثمرين ببيع الطاقة الكهربائية لكبار المشتركين على سبيل المثال يسمح بتركيب محطة ريحية بمنطقة في حمص تبيع الكهرباء للمنطقة الصناعية بحسياء أو الشيخ نجار بحلب ويكون بين المستثمر والمؤسسة عقد يطلق عليه التقاص كما تتم حالياً دراسة عدة مشاريع كبيرة للطاقة الكهربائية لترخيصها.
تولد الفرص من رحم الأزمات ولعلّ مشكلة المشتقات النفطية وأزمة الكهرباء والمحروقات كانت الدافع الأهم نحو تطوير صناعة الطاقة الشمسية في سورية
وأضاف: تقوم مؤسسة النقل بالإعلان عن توافر أماكن لإقامة مشاريع للطاقات المتجددة ويخضع السعر للتنافسية بين الشركات المتقدمة، لافتاً إلى أنه تم الإعلان عن أكثر من مشروع، وهناك مشاريع تم التعاقد عليها وهي قيد التنفيذ منها مشروع 300 ميغا مع الشركة الإماراتية ومشروع 33 ميغا بالشيخ نجار، وهناك عدد من المشاريع قيد الدراسة، كما تعمل الوزارة على التحضير لعقد مؤتمر للطاقات المتجددة بالتعاون مع هيئة الاستثمار سيتم الإعلان عنه قريباً على أن يتضمن تحديد الفرص الاستثمارية بهذا القطاع للوصول إلى صيغ تناسب جميع الأطراف “حكومة ومستثمرين ومواطنين”.
وترى المهندسة في الطاقات المتجددة سهام الحلو أن سورية من البلدان التي تتوافر فيها مصادر طاقة متجددة وبمستويات عالية، إذ إن الإشعاع الشمسي يمكن استثماره بنحو 285 يوماً كل عام كما توجد مناطق ريحية يمكن تركيب عنفات ريحية فيها، واستثمار طاقتها لتوليد الطاقة الكهربائية وبكميات اقتصادية مجدية، مشيرة إلى إنجاز العديد من الأبحاث في الجامعة على مستويات مشاريع التخرج والماجستير والدكتوراه في مجال الطاقة المتجددة.
خيار قيد الإجبار
ولأن من البدهي أنّ كل شيء مرتبط بالكهرباء، وانقطاعها صار خياراً إجبارياً بسبب الظروف والعقوبات وغير ذلك تشرح أسامة هواري وهي موظفة مقيمة في دمشق: الانقطاع الطويل للكهرباء جعلنا نفكر بشكل جدي بالطاقة البديلة، في البداية كان المطلوب لوحاً أو اثنين لتشغيل البراد والشاشة والإضاءة لكن مع ملاحظة أن كل شي مؤجل عمله بالبيت خلال انقطاع الكهرباء، من الغسيل والكوي إلى الاستحمام والطبخ والدراسة، تجد نفسك مضطراً لزيادة عدد الألواح.. وتبقى المشكلة في التمويل حيث تصل التكلفة الى حوالي عشرين مليون ليرة على الأقل لتحصل على خدمات أكثر من الطاقة بالنسبة لنا اضطررت لبيع ما لدي من قطع ذهبية ادخرتها للأيام الصعبة . ولاسيما أن الحصول على قرض لم يكن متاحاً بسبب ضعف الراتب, ولا أعتقد أني نادمة فوصول الطاقة إلى البيت يعيد الحياة إلى بيوتنا .
ويعلق الباحث الاقتصادي هشام خياط بأن رفع شعار التوجه للطاقات البديلة وتشجيع المواطنين على الاستثمار فيها عن طريق تركيب ألواح الطاقة الشمسية على أسطح المنازل لتوليد الكهرباء فكرة مهمة، لكن تطبيقها غير متاح للجميع بسبب ارتفاع التكلفة وقلة الحيلة وهي بالكاد للميسورين ومن يتمتعون بدخول عالية .
بين عدنان السائق وهو مهندس في مجال الطاقات المتجددة أن “الطاقة الشمسية باتت خياراً رئيساً لحل سريع ومجدٍ لتوليد الكهرباء بالنسبة للمنازل أو الورشات والمعامل الصناعية والتجارية، رغم حاجته لرأس المال والإرادة الحقيقية للمستثمرين والتجار باستيراد أفضل أنواع ألواح الطاقة الشمسية” ويشير المهندس عدنان إلى فوائد الاستثمار في هذا المشروع خاصة مع وجود توجه عالمي نحو الطاقات البديلة، ويضيف توجد جدوى اقتصادية لاستخدام الطاقة الشمسية كطاقة متجددة لتوليد الكهرباء، إضافة لكونها صديقة للبيئة. ومع التوجه الحكومي للاستثمار بالطاقة البديلة، تم إصدار قرار بإحداث صندوق دعم استخدام الطاقات المتجددة، ورفع كفاءة الطاقة لتشجيع المواطنين. وبدأنا نشهد تنافساً بين الفعاليات الاقتصادية وإقبالاً أكثر على الاستثمار بالمواد الأولية لهذه الصناعة في القطاع الخاص .
صناعة المستقبل
تفيد التقارير حول صناعة الطاقات المتجددة بأنها باتت تعد المصدر الأساس لشتى أنواع الطاقة، سواء بشكل مباشر في تحويلها إلى طاقة كهروضوئية أو حرارية، أو من خلال تأثيرها في حركة الرياح، التي تنتج عنها الطاقة الحركية للتوربينات، أو لدورها في ذوبان الثلوج وتساقط الأمطار، وهما من العوامل المسؤولة عن ارتفاع مناسيب المياه المستخدمة في توليد الطاقة الكهرومائية. كذلك للطاقة الشمسية دور في درجة الحرارة الأرضية، التي بفضلها يتم تحويل النباتات والكائنات الميتة تحت سطح الأرض إلى وقود أحفوري، بل حتى إن الطاقة النووية تعود فكرتها إلى الاندماج النووي الذي يحدث في الشمس، ولذا يطلق على الطاقة الشمسية أمّ الطاقات.
استخدمها الرومان والإغريق
يعود استخدام الطاقة الشمسية إلى القرن السابع قبل الميلاد، حيث تم استخدامها في إشعال النار عن طريق المرايا العاكسة التي تركز أشعة الشمس نحو نقطة معينة إلى أن تشتعل، سواء كان ذلك لغرض شعائري، كما فعل الإغريق والرومان في القرن الثالث، أو لغرض حربي كما فعل أرخميدس لإحراق السفن الرومانية. في حين إن هوراس بنديكت العالم السويسري اخترع في عام 1767 صندوقاً يحتوي على ثلاث طبقات من الزجاج لتعظيم قوة أشعة الشمس والوصول بها إلى 110 درجات مئوية، لاستغلال البخار الناتج عن ذلك في دفع المحركات، أو لاحقاً في تحريك التوربينات لتوليد الكهرباء.
الطاقة الكهروضوئية يمكن استغلالها بشكل مباشر في صنع الكهرباء، على العكس من أنواع الطاقة الأخرى التي تحتاج إلى وسيط لتحويلها من حالتها الكامنة إلى طاقة حركية ثم إلى كهربائية، وذلك عن طريق خلايا كهروضوئية تقوم بتحويل الضوء من فوتونات إلى كهرباء. وتوالت الاختراعات إلى أن تمكن الأمريكان من تطوير الطاقة التي اعتمدت عليها الأقمار الاصطناعية ومن ثم استخدامها في الوصول إلى الفضاء، ومن ثم تطورت صناعة الخلايا الشمسية إلى تلك التي تعمل من خلال ألواح ذات أغشية رقيقة مصنوعة من أشباه الموصلات مثل “تيلوريد الكادميوم أو نحاس الإنديوم الجاليوم ديسلينيد”، التي يصل سمكها إلى بضعة مايكرومترات، وتتميز بالخفة والمرونة وسهولة التصنيع مقارنة بخلايا السيليكون.
التكلفة الأولية المرتفعة لتجهيزات ومعدات الطاقة الشمسية والحاجة إلى تخزين الكهرباء سبب تردد الكثيرين باستثمار الطاقات المتجددة
أما النوع الآخر من الطاقة الشمسية فيتم فيه استغلال الحرارة بدلاً من الضوء، ومن ثم ليتم تحويلها إلى كهرباء، يستخدم الماء في ذلك، حيث يتم تسخير مجموعة كبيرة من المرايا الشمسية وتوجيهها نحو برج يحتوي على خزان مياه، وعندما يبدأ الماء في التبخر يبدأ البخار في تحريك التوربينات التي بدورها تحول الطاقة الحركية إلى كهربائية. هناك أيضاً طرق أخرى للاستفادة بشكل مباشر من الحرارة في عمل السخانات الشمسية وأنظمة التدفئة، من دون الحاجة إلى استخدام التوربينات.
الطاقة الشمسية الاستدامة والاكتفاء
تتميز الطاقة الشمسية بأنها دائمة ومتجددة ومتوفرة بشكل كافٍ، وفي الوقت نفسه لا يوجد ضرر على البيئة من أي استخدام مكثف لها، كما يمكن استخدام الطاقة الكهروضوئية الناتجة من الشمس بشكل مباشر في المنازل والسيارات، بخلاف أنواع الطاقات الأخرى المتجددة أو التقليدية التي لا يمكن الاستفادة منها بمجرد إنتاجها من المصدر إلى المستهلك، بل إنها تحتاج إلى خطوط نقل وسلاسل لوجستية لنقلها إلى حيث الاستخدام، الأمر الذي يسهم في خفض نسبة إهدار الطاقة.
ومن عيوب الطاقة الشمسية التكلفة الأولية المرتفعة لتجهيزاتها ومعداتها، والحاجة إلى تخزين الكهرباء، بحكم أنه لا توجد أشعة شمس في الليل، فلا بدّ من؛ تخزينها في بطاريات أو الاعتماد على مصادر طاقة أخرى في تلك الأوقات. هناك أيضاً عوائق أخرى كالعوامل المناخية والجغرافية التي تعوق الاستفادة المثالية للطاقة الشمسية، فعلى سبيل المثال يتوقف عمل الألواح الشمسية في حال وجود طبقة ثلج بسماكة خمسة سنتيمترات، كما أن الرياح بسرعة تزيد على 108 كيلومترات في الساعة يمكنها إتلاف الألواح، في حين إن الخلايا الشمسية في المناطق الخالية من الأمطار تعاني تراكم المواد الكيميائية على الألواح، وبالتالي ضعف كفاءتها.
أما الرطوبة فهي تؤدي إلى تآكل الألواح وفشلها، وفي جميع الأحوال تؤدي الأشعة البنفسجية إلى تكوين طبقة على سطح الخلية تعرف باسم أكسيد البورون في أول ألف ساعة، ما يخفض من كفاءتها. والأصعب من ذلك كله أن الأسرة المتوسطة الواحدة تحتاج إلى خلايا شمسية بمساحة 160 متراً مربعاً، وهو ما يصعب إتاحته في كثير من المدن ولكثير من الناس.
لماذا نحتاج إلى الطاقة الشمسية؟
حسب “خبراء” وبعيداً عما يقال عن تداعيات المناخ والتأثيرات البيئية للوقود الأحفوري، إلّا أن هناك شبه اتفاق على محدودية الاحتياطي المؤكد من النفط عالمياً، الذي يبلغ – حسب بعض التقديرات – نحو 1,545 مليار برميل، وفقا لمنظمة أوبك، وبمقارنة هذه الأرقام مع الاستهلاك السنوي بإجمالي 35 مليار برميل، نجد أن كميات النفط المتاحة ستكفي لنحو 45 عاماً من الاستهلاك. ولو أضفنا إلى ذلك متوسط النمو السنوي للاحتياطيات البالغ 7.5 مليارات برميل، تصبح المدة نحو 57 عاماً. وعلى مستوى الغاز أيضاً نجد أن الاحتياطي العالمي يصل إلى 188 تريليون متر مكعب مقارنة باستهلاك سنوي يقدر بـ4,038 مليارات متر مكعب، أي ما يكفي لنحو 47 عاماً.
لذا فإن جميع دول العالم، بما في ذلك النفطية منها، تهتم بموضوع مستقبل الطاقة والحاجة إلى بدائل تتمتع بالديمومة والنظافة وانخفاض التكلفة. والطاقة الشمسية بلا شك تعدّ واحداً من أهم الحلول المتاحة.