التهامُ «البلاحيس»

لم يعد البحرهو (أبو اليتامى) لأن أمواجه بالكاد تجرف بعض (بلاحيس) السمك للصيادين المعترين الذين يحملون صنانيرهم، ويتوزعون على صخور الكورنيش البحري في طرطوس.. يرمون صنانيرهم وينتظرون.. تحسبهم يتعلمون الصبر، ولا تتأكد أنهم يصطادون إلا بعد أن تهتز الصنارة ويشدها الصياد ، ويخيب أمله، فالسمكة صغيرة جداً سرعان ما يقذفها إلى البحر .
لم يكن البحر يوماً بخيلاً إلى هذا الحد .
كنا صيفاً نراقب صيادي الشباك، بل ننتظرهم لشراء السمك الطازج .. كانت الغلة معقولة، لكنها لم تكن تحتوي على ( البلاحيس) .. هل هربت هذه الأسماك الصغيرة الى الشط خوفاً من الأسماك الكبيرة، خاصة أن ( السمك يأكل السمك، والدنيا بحر كبير ..) وهذا معروف أن الأسماك الكبيرة تتغذى على الصغيرة التي نراها تستنجد بالشط لتقع في صنارة صياد يهرب مثلها من الغلاء ومن الفقر .
في بطن البحر الكبير حيتان وأسماك قرش تفترس كل ما يواجهها من كائنات بحرية وغير بحرية.. يُحكى عن الحوت أنه يفتح فمه، ويسبح في البحار والمحيطات لتدخل الأسماك في (كرشه) الكبير .. وإذا ما أراد ابتلاعها فما عليه إلا إطباق فمه ليتحول كل ما في الكرش إلى وجبة دسمة .
على اليابسة، ما يشبه بطن البحر، هناك صيادون «معتّرون» يصطادون (بلاحيس) البر التي تهرب من الحيتان البرية إلى أسواق فقيرة تكتظ بمواد شبه تالفة، ينتقي منها الصياد ما هو مقبول ويرمي البقية إلى البحر .. لا يملّ حيتان اليابسة، ولا يشبعون، هم أيضاً يفتحون أفواههم، ويسيرون، وكل ما يدخل كروشهم هو وجبة، هو ملكٌ شخصي .
ما يميّز حيتان البحار عن حيتان اليابسة، أن هناك اتفاقاً بين الصنف الثاني، فلكل منهم اختصاص أو قطاع، أي إنهم لا يعتدون على اختصاصاتهم، ولا يتجاوزون القطاع الخاص بهذا الحوت، أو ذاك .
في سالف الأزمان كان فقهاء الصحافة في ( تشرين ) يتحدثون عن تيجان للحيتان: حوت الموز في ذلك الزمن، حوت الأغنام، حوت الأعلاف، للزيت والسكر والأرز.. حيتان تأكل الأخضر واليابس حتى إن الصحون اللاقطة كان لها حيتان يستوردون كل ما يتعلق بها، ونذكر أن رئيس الحكومة آنذاك أصدر قراراً (بتحريمها) أي منعها، ورغم ذلك كانت ومازالت تلك الصحون تغطي الأسطح !!
حيتان البحار انتفخت وكادت ( تفقع ) من كثرة ما افترست، وحيتان اليابسة دائماً يبحثون عن المزيد !
صيادو الصنانير يقذفون ( البلاحيس ) الى البحر، وحيتان اليابسة يتفقون على التهام آخر ( بلحوس ) يقع في شباكهم أو في شراكهم، فمازالوا يعملون على أن السمك يأكل السمك، وبالنسبة لهم الدنيا بحرٌ كبير!!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار