«آفاقٌ جديدةٌ للقصّة العربية» بمشاركة أربع قاصّات سوريّات

تشرين-نضال بشارة:

جاء كتاب «آفاق جديدة للقصة العربية» انطلاقاً من أفكار عدة أولها ما ذكره الروائي والناقد المصري سيد الوكيل عن مقولة ترددت كثيراً، وهي «زمن الرواية» وأن هذه المقولة تبشر بموت القصة القصيرة، وكان لهذا صدى مغاير عنده كمبدع مخلص لفن القصة القصيرة. إذ رفض الانسياق كالآخرين، ونهض مدافعاً عن هذا الفن بكل ما يملك من أدواته النقدية والإبداعية، فأسس في عام 2018، موقعاً إليكترونياً تحت عنوان صدى «ذاكرة القصة القصيرة» مستهدفاً التوثيق لتاريخ القصة، نشأتها، وكتّابها، موقناً أن التكنولوجيا يمكنها أن تؤدي دوراً معززاً لإنجاز هذا المشروع. وطرح الفكرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فوجد حماساً كبيراً لها بين الكتاب والمبدعين، وبدأت الخطوة الأولى تحت عنوان صدى «ذاكرة القصة المصرية»، ثم بدأ العمل يسير في خطين متوازيين، الأول توثيقي، والثاني يهتم بنشر الإبداعات القصصية المعاصرة والشابة، وكانت «مرفت يس» معدّة هذا الكتاب الذي نقطتف من مقدمتها له إحدى المتحمسات لهذا المشروع لكونها قاصة، وفي خطوة لاحقة أضافوا « قصة أونلاين» وكتب عنها نقدياً الدكتور مصطفى الضبع، كما أصدر الموقع ملفاً عن الراحل نجيب محفوظ، طبعته دار (ميتا بوك للنشر والتوزيع)، التي تبنت أيضاً هذا الكتاب الذي بين أيدينا ويضم عشرين نصاً قصصياً لكتاب وكاتبات على النحو الآتي: من سورية: روعة سنبل، فدوى العبود، حنان الحلبوني، هبه شريقي، ومن العراق: نبأ مسلم، مهند الخيكاني، أغصان الصالح، محمد الكريم، ومن السعودية: أمل الفاران، حسين سنونة. من فلسطين: شيخة حسين خيلوي. من الكويت: استبرق أحمد. من اليمن: سهير السمان، من ليبيا: عزة المقهور، من الجزائر: ليندا كامل، من المغرب: عبدالقهار الحجاري، بديعة بنمراح، علي بن ساعود، عبد اللطيف النيلة، محمد امباركي، ومن مصر أسماء عواد، أسماء هاشم، صفاء النجار، فاطمة الشريف، دعاء عبد المنعم.

سوريات ونقد  

وأشارت كلمة الناقد والروائي سيد الوكيل إلى أن «السرد القصصي يشهد يقظة ملحوظة في الآونة الأخيرة، وظني أن إمكانات الفضاء الرقمي، عززت هذه اليقظة، وأفضت إلى طرق للتعبيرعن هموم وأفكار متقاربة، بل ومتشابكة بين المبدعين في الأقطار العربية المختلفة، ربما لدواعي الظروف السياسية، والقلاقل التي اجتاحت محيطنا العربي». أمّا المداخلة النقدية للقصص فهي للناقد عادل العدوي والتي جاءت بعنوان « أوهام السارد..وعي المتلقي» والتي نقتطف منها ما جاء فيها بخصوص القاصات السوريّات.

والبداية مع مقتطف عن قصة روعة سنبل، يقول العدوي: حسب افتراضنا، فإن وعي السارد يعد أخطر سلاح يمكن أن يودي بعمله كله، لكن – هنا- في موقعه من القص – في قصة « ترحلين عنك» – نكتشف أن له وظيفة أخرى في السرد، وهي ليست مجرد القائم بالسرد، فالسارد هنا هو العقل / عقل الشخصية الذي لا ينفصل عن الشخصية إلاّ لأداء دور أساس في السرد، ولا يمكن فصله هنا عن المروي عنه، بل هو المعادل الموضوعي له، ويتجلى من خلال حواراته ونصائحه، بل يذهب إلى أبعد من ذلك حين يصمت تماماً مع موت الشخصية وحلولها في كائن آخر (شجرة) هذا الاختيار لموقع السارد منحه مبرره الجمالي كعنصر مهم من الحكاية، إذ ترصد القصة تاريخ عقل الشخصية وآلامها ومحاولاتها الدائمة في تقويم الشخصية التي لا يمكن أن تنفصل عنه إلا بالموت، الأمر الذي ينعكس على مأساة الشخصية المعنية بالحكي.

تمّرد على التاريخ

ومما كُتب عن قصة فدوى العبود« آكي دُنيا» نجد السارد في القصة يصول ويجول كيفما شاء، وهو يؤدي أدواره بامتياز على كل المستويات، يصف الأشياء كما لو أنها تنبض بالحياة، ويحكي عن الشخصيات كما يحسها وحسب معرفته بها، ولكن يفسح لها المجال لتعبّر عن ذاتها وتحقق وجودها. يومئ ولا يصرّح، بما تضمره نفسه دونما صراخ، وحين يفعل ذلك يفعله وهو يرمي بأفكار الكاتب إلى أبعد مدى حتى تصيب هدفها لتحقق أكثر مما طمح إليه الكاتب نفسه. في « آكي دُنيا» تشتم رائحة ثمار تلك الشجرة العتيقة، تسند الجدة التي تكاد قدماها لاتحملانها وأنت تكنّ لها الإحساس بالحنان، تشعر وهي تتوكأ على ساعدك بثقل الزمن وسطوته، وتجسد أمام عينيك التاريخ الضارب بجذوره في شجرة آكي دُنيا، كل هذا ينقله إليك السارد المتحدّث بضمير المتكلم من خلال تجربته الشخصية، ينقل لك واقعاً عاشه ويريدك أن تعيشه معه. وفي موضع آخر كتب: التمرد على التاريخ هو ذروة الحدث في القصة، ولقد عبر عنه السارد أفضل تعبير من دون التورط في شعارات ومقولات من شأنها توجيه النص في مسارات مؤدلجة، بل ابتعدت القصة بذكاء عن فجاجة التعبير في تنفيذ فكرة الكاتب، فتركت أثراً واضحاً في نفي المتلقي. وكتب الناقد العدوي عن قصة « ماجستير» لحنان الحلبوني: القصة تنتمي لنمط تقليدي، ثمة بداية ووسط ونهاية، وهي لا تحتمل كثيراً من التأويل، إذ كانت أقرب إلى المباشرة. وفي الحقيقة، ليس هذا عيباً يؤخذ عليها، إنما المأخذ هو عدم الاستفادة من استدعاء تلك الشخصيات التاريخية وتحويلها إلى طاقة مدهشة تتفجر من حولها الدلالات.. لقد اكتفى السارد بظهور الشعراء الثلاثة لشخصية القصة أثناء نومها ليقوموا بوظيفة محددة وواضحة، كان من الممكن استثمار هذه الآلية في اتجاهات أكثر تشظياً، لكن السارد غفل عنها. وفي « رانيا» قصة هبة شريقي، نصادف المباشرة نفسها في القصة السابقة، إذ إن تلك الفتاة الصغيرة التي تتعلم الأحلام كما ابنة خالها الجميلة «رانيا» التي كانت تمثل المستقبل بالنسبة لها في كل مراحل حياتها، ولأن الأحلام لا تتحقق في الواقع كان عليها أن تفعل ذلك في كتابة القصص، فكلما فشلت في تحقيق حلم كتبت عنه في قصة، لتظل الأحلام مرهونةً بالخيال، ولا تتحقق إلاّ على الورق.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار