مكاتب ظل لتصدير الأرقام من سورية.. أساتذة جامعيون متورّطون مع منظّمات خارجية والمكتب المركزي للإحصاء يعلن الحرب على “أقبية الإحصاء”..
تشرين:
قد نشكو من وجود سوق سوداء للمحروقات، أو للمواد التموينية أو حتى للعملات الأجنبيّة.. ونعالج ونكافح بطرق وأدوات مختلفة قد تنجح كلياً أو جزئياً، فالمهم أننا تنبهنا إلى وجود خطر ما تنتجه أسواق الظل..
لكن أن يكون لدينا “سوق سوداء” لإنتاج الرقم الإحصائي.. فهذا بالغ الخطورة.. أخطر ما فيه أننا حتى الآن لم ننتبه له، ولم نعره اهتماماً لنبدأ بمكافحة الظاهرة..!
لعلّه نوع جديد من الحرب.. بل الإر*ه*اب، “إر*ه*اب الرقم” عندما تعلن مكاتب الظل مثلاً، أن نسبة الفقر في سورية وصلت إلى مواصيل كارثيّة، أو البطالة أو التسرب من المدارس أو أعداد المهاجرين.. لتعود إلينا هذه الأرقام من الخارج وعبر منصّات منظمات دولية متخصصة كما القذائف القاتلة تماماً..
بالفعل نتعرض اليوم لـ”رشقٍ عنيف” بالأرقام.. أرقام يتبناها “العفويون” على وسائل التواصل الاجتماعي وتبدأ مسلسلات الردح وضخ جرعات سوداوية مفرطة، بشكل يربك صاحب القرار والمواطن على حدٍّ سواء.
قلق
بالفعل كانت مثيرة للقلق المعلومات التي ذكرها لـ”تشرين” المهندس هامس زريق المدير السابق لمركز دمشق للأبحاث، بخصوص وجود عدد كبير من المكاتب الإحصائية في سورية غير منظمة، وتعمل في الخفاء لصالح المنظمات الدولية، وذلك لقاء أجر مادي، مؤكّداً أنه أمر خطير جداً، خصوصاً أنّ الموضوع يتم بإشراف أساتذة جامعات، كما أن هناك معاهد ومراكز تقوم بالإحصاءات وبحرية تامة.
ويأتي رأي الدكتور عدنان حميدان مدير المكتب المركزي للإحصاء، معززاً المعلومات التي دفع بها المهندس زريق، إذ يؤكد الدكتور حميدان أن هذه الأقبية تعمل بالبيانات وتوردها لمنظمات دولية والتي بدورها تعتمد عليها في أبحاثها، ولكن للأسف بعض أساتذة الجامعات حاولوا تشويه الأرقام لسبب أو لآخر، إضافة إلى أنهم يستندون إلى المعلومات التي تفصح عنها هذه الأقبية أو الجهات غير الرسمية.
محاسبة ومقاضاة
بصمتٍ ومن دون ضجيج.. يبدو أن ثمة تحركاً لمواجهة الظاهرة التي كانت متروكة أو مسكوتاً عنها طوال سنوات الحرب على سورية.. ويفصح مدير عام “الإحصاء” عن تحرك جديد للمكتب، أثمر أن أصدر رئيس الحكومة تعميماً فحواه أنه يمكننا مقاضاة هؤلاء ومحاكمتهم في حال صرّحوا بمعلومات وأرقام لتلك المنظمات أو حتى إذا كانوا بموضع شبهة.
ويؤكد الدكتور حميدان أن قانون المكتب المركزي للإحصاء كان واضحاً بهذا الخصوص، إذ ينص في إحدى مواده أن كل من يعمل بالمسوحات والتعداد والأرقام يُحاسب قانوناً، ولكننا في الوقت نفسه بحاجة إلى من يقودنا إلى أشخاص يعملون بهذا المجال، أما من قاموا بطرح بعض الأرقام عبر الإعلام فقد تعرضوا للمساءلة، ونحن مستعدون لمقاضاة أي شخص أدلى بأرقام غير صحيحة.
ويؤكّد أنه لا يحق لأيٍّ كان أن يدلي بأرقام مهما كانت صفته، ويخاطب مفبركي الأرقام الإحصائية عن سورية بالقول: «بإمكانكم أن تطرحوا أرقاماً خاصة بطولكم وعرضكم وطلابكم وغير ذلك، أما أن تتحدثوا عن النمو وخط الفقر والبطالة والطلاق والزواج فهذا ليس من شأنكم ولا اختصاصكم».
ثقافة الرقم
يرى الدكتور حميدان أنه لا بدّ من العمل على تعزيز ثقافة الأرقام، إذ ليس كل ما يُنشر صحيحاً، ووسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً سلبياً في نشر الكثير من الأرقام التي هدفت إلى التضليل في سياق الحرب على سورية، والدليل على ذلك يأتي من يقول لك إن هذه الشبكة وتلك الصفحة نشرت رقماً بخصوص كذا وكذا، «وأنا أسأل: من هؤلاء، ومن يقف وراء تلك الشبكات والصفحات..؟»، لذلك كل ما يُنشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لا يشكل من الحقيقة سوى 5% ليس في مجال الأرقام فقط بل في كل شيء، وهنا أؤكد -والكلام للدكتور حميدان- أننا قادرون على محاسبة كل من ينشر معلومات وبيانات بقصد التضليل وفق قانون الجريمة الإلكترونية، حتى إن بعض الأحكام بهذا الخصوص تصل إلى سبع سنوات من السجن، لذلك لابدّ من الترويج أكثر لقانون الجريمة الإلكترونية والعقوبات الخاصة بكل جريمة.
“تابلوهات” جاهزة
وأسف مدير المكتب المركزي للإحصاء مما وصل إليه الحال بالنسبة للكثير من المسائل التي باتت متعلقة بشكل كبير عما يصدر عن الخارج، وتساءل: هل من المعقول أن يصبح لباسنا من الخارج وعقولنا من الخارج أيضاً، فعلى سبيل المثال عند حساب خط الفقر، هل نقوم بحسابه بناء على آلية حساب البنك الدولي وربط خط الفقر بالدولار، لماذا لم يُفكر أحد بحساب هذا الخط بالليرة السورية؟ وكذلك مسألة التنمية المستدامة التي شغلت العالم بأسره، ونحنا ذهبنا بهذا الاتجاه، ولكن وقعنا في أخطاء خلال المرحلة السابقة من حيث ندري أو لا ندري، لأن حساب كل ما هو اقتصادي إذا لم يتم ربطه بكل ما هو سكاني لا معنى لحسابه، وإذا لم نقم بربط الأجور بمستوى الأسعار فهو أيضاً يؤدي إلى نتيجة لا قيمة لها، وكذلك سعر صرف الدولار إذا لم أقم بربطه بالقوة الشرائية للعملة فهذا أيضاً لا معنى له.
مواجهة بأدوات مشابهة
الواقع يحتاج إلى تحرك معلن تشترك فيه عدّة جهات، ولعلّ أهم وأمضى أداة في مثل هذه المواجهة هي الرقم الإحصائي الرسمي ذاته.. فعندما نعلن “أرقامنا” لن يجرؤ أحد على فبركة أرقام أخرى وستعتمد المنظمات الدولية الرقم الرسمي السوري بدلاً من تشغيل مأجورين في مكاتب الظل يضللون الجميع.
فبكثير من الصراحة يعلن زريق أنه ضد (السياسات السرية) في التعاطي مع الأرقام، وبرأيه الحديث عن رقم معين يسحب السلاح من الآخرين الذين يستخدمونه ضد البلد، والحديث لا يشمل المسائل العسكرية التي تقتضي المحافظة على أعلى درجات السرية، ويلفت إلى أنه عندما نقول رقماً يذهب إلى الذهن مباشرة الرقم الإحصائي، هناك أرقام تستند إلى قواعد بيانات، ليؤكد أن السياسات المحلية تجاه الأرقام ضعيفة، ويمكن تصنيف الحالة بعدم وجود أرقام.