الأوروبيون تعبوا وسينسحبون..!

تشرين-  مها سلطان:
هل يمكن للحرب في أوكرانيا أن تدفع الولايات المتحدة إلى خارج حلف شمال الأطلسي «ناتو»؟، سؤال يبدو غير واقعي إلّا أن هناك من بات يطرحه للنقاش في أروقة السياسة الأميركية على فرض أنه «الطريقة المُثلى لإنهاء الحرب في أوكرانيا» حسبما جاء أمس في صحيفة «هيل» الأميركية «الصحيفة التي تركز على السياسة والتجارة والعلاقات الدولية وتغطي أخبار الكونغرس والحملات الانتخابية».
الصحيفة الأميركية نشرت مقالاً لنائب المدعي العام في عهد الرئيس رونالد ريغان، بروس فاين، يرى فيه أن انسحاب بلاده من حلف «ناتو»، هو فقط من سيُسهم في إنهاء الحرب في أوكرانيا، مؤكداً أن «توسع ناتو» هو من يقف وراء هذه الحرب ومجمل الأزمات في أوروبا، وأضاف: إن استمرار الحلف بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لا معنى له.
في تعامله مع الأوروبيين، قضى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب جلَّ ولايته وهو يهددهم بالانسحاب من «ناتو»، ويبتزهم بالأموال والسياسات، وأذعن الأوروبيون لتهديداته معتقدين أنه سيفعل، باعتبار أن ولايته الرئاسية «2017-2021» شهدت انسحابات عدة من اتفاقات ومعاهدات إقليمية ودولية من دون أن يكون هناك من مجال لثني إدارته عنها.. لكن التهديد لم يخرج إلى دائرة الفعل.. ولم يكن متوقعاً له ذلك حتى لو فاز ترامب بولاية ثانية.
عندما انهار الاتحاد السوفييتي في تسعينيات القرن الماضي، وصلت التوقعات بإنهاء (ناتو) إلى درجة اليقين حتى إن الكثير من المحللين والخبراء وضع سيناريوهات كبرى لعالم ما بعد «ناتو»، لكن الولايات المتحدة كان لديها مخطط آخر، تمسكت بالحلف أكثر ووجهته ضد روسيا «خليفة الاتحاد السوفييتي» لمنعها نهائياً من العودة إلى ساحة الفعل والقرار الدولي، والولايات المتحدة استمرت تخشى روسيا رغم أنها في عقد التسعينيات بلغت من الضعف مبلغاً كبيراً، لذلك سعت إلى توسعة «ناتو» حتى كاد يطرق أبواب روسيا التي ردت ميدانياً بالحرب في أوكرانيا.
جو بايدن، خليفة ترامب، بعد عامين من ولايته الرئاسية، لم يطلق في أي مرة مثل هذا التهديد الذي دخل طي النسيان، لتعود صحيفة «هيل» اليوم وتعيده إلى الذاكرة وإلى دائرة النقاش السياسي الأميركي.
بالمجمل، وعلى نطاق واسع، ليس هناك اعتقاد كبير بأن الولايات المتحدة ستنسحب من حلف «ناتو»، صحيح أنها تعدّ الحرب في أوكرانيا تهديداً لها ولزعامتها العالمية، إلّا أن الصحيح أكثر أنها ومن دون شك تحقق أرباحاً من خلالها «مالية وسياسية»، هذا أمر بات يطرحه الأوروبيون بصورة أكثر علانية، معبرين عن غضبهم من مجمل السلوك الأميركي في التعامل مع هذه الحرب، حتى إن بعضه يتحدث عن مصلحة أميركية في استمرارها حتى لو انهارت أوروبا بالكامل تحت وطأتها.
من المفيد هنا إيراد الخبر الذي أعلنته السفارة الأميركية في موسكو اليوم على لسان القائمة بالأعمال إليزابيث رود، حول الاجتماع الذي جرى بين مدير الاستخبارات الأميركية ويليام بيرنز ورئيس الاستخبارات الروسية سيرغي ناريشكين.
وحسب رود فإن الاجتماع الذي تم بطلب من واشنطن «وجرى في العاصمة التركية أنقرة في 14 الشهر الجاري» لم يتطرق إلى مسألة التسوية الأوكرانية، وإنما خاض في مباحثات تهم الجانبين.
هذا ليس خبراً جيداً للأوروبيين، مثله مثل كل الأخبار التي تردهم من واشنطن، من دون أن يمتلكوا من خيارات سوى النواح وندب حظهم العاثر، حال تعكسه وسائل الإعلام الأوروبية التي لا تكف عن التحذير من أن الأسوأ لم يأتِ بعد.. إلى جانب ما يستشعره الأوروبيون من مخاطر سيطرة الجمهوريين الأميركيين على مجلس النواب، ونياتهم المُعلنة بعرقلة سياسات الديمقراطيين تجاه أوكرانيا.. ربما لهذا السبب بدؤوا البحث جدياً في مسألة حصر العقوبات المفروضة على روسيا، إلى حدٍّ غير مؤثر بصورة جذرية، وفي هذا الإطار يدرس الاتحاد الأوروبي إمكانية رفع العقوبات عن البنك الزراعي الروسي «روسلخوزبنك» وإعادة ربطه بنظام التحويلات المالية «SWIFT» في إطار من صفقة الحبوب.
صحيفة «الغارديان» البريطانية بدأت تلوح «بإمكانية انسحاب أوروبا من دعم أوكرانيا» مشيرة إلى أن وتيرة إمدادات الأسلحة والقروض لها بدأت تتباطأ بالفعل لأن أوروبا بدأت تستنفد مخزوناتها من الأسلحة، كما أن الأسلحة التي يتم عرضها من الطُرز الحديثة محدودة الكمية «بسبب مشاكل الإنتاج»، وقالت: إن أوروبا لا حيلة لها بسبب عدم وجود خطط محددة لتسوية الحرب، وأضافت أنه في غياب مفاوضات السلام، أو أي تحسن في الوضع، يتحول التعب من الصراع في أوكرانيا إلى حالة من اللامبالاة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار