«الثقافة في العصر الرقمي».. الانتقال أمٌر رفاهيٌّ والثورة الرقمية تغيّر جذرياً الممارسة اليومية

تشرين- ثناء عليان:
ألقى الدكتور سومر صالح محاضرة بعنوان «الثقافة في العصر الرقمي» في المركز الثقافي في طرطوس ضمن أيام الثقافة السورية، أشار فيها إلى أن القطاع الثقافي شهد تحولاً جذرياً في العقدين الماضيين، بسبب ظهور تقنيات الإعلام الجديدة، إذ غيّرت الثورة الرقمية جذرياً الممارسة اليومية للعلاقات الثقافية الدولية، وأصبحت الثقافة الرقمية هي العنصر الأكثر فاعليةً وتأثيراً في حياه الفرد والمؤسسات.
ولفت إلى ضرورة تمييز الثقافة في العصر الرقمي باعتبارها دراسة للظاهرة الثقافية في عصر المعلومات، وتقييم مدى استجابة الظاهرة الثقافية لمستجدات الظاهرة الرقمية، ودعا إلى التمييز بين ثلاث ظواهر متداخلة ومتقاطعة وهي: أولا: الوعي الرقمي، ويعني عقلانية التعامل مع التقنيات الرقمية، بمعنى: إكساب الفرد المهارات الأسياسية التي تمكنه من استخدام واستعمال تقنيات الحاسوب في حياته اليومية، والقدرة على اكتشاف المعلومات وتحديد كيفية الوصول إليها وتقييمها واستخدامها.
وثانياً: الثقافة الرقمية: وهي التي تحثُّنا على تغيير تصرفاتنا وتفكيرنا والآليات التي نتواصل بها داخل مجتمعاتنا. الثقافة الرقمية هي نتاج تقنيات الإقناع التي تحيط بنا من كلِّ حدبٍ وصوب ونتيجة للابتكار التقني المزعزع، وهي بمنزلة البنية التحتية للأفراد لمواكبة الحياه والأعمال فى العالم الرقمي، لذلك يجب أن يمتلك كل فرد مجموعة من المعارف والمهارات للتعايش والإنجاز على مستوى متطلباته الشخصية ومساره المهني لعصر التكنولوجيا والإنترنت.
ثالثاً: رقمنة الثقافة، وكانت سمةً مميزة للنشاط الثقافي خلال جائحة كورونا بعد توقف الفعاليات الثقافية الحضورية وتحوّلها إلى الفضاء الافتراضي.
وبيّن صالح أن العصر الرقمي لا يتجاوز عمره العقدين من الزمان، وهوعصر تجاوزت فيه الرقمنة مجال التقنية إلى المجال المعرفي والإنساني، فالظاهرة متعددة السياقات والأبعاد، والتكنولوجيا الرقمية ذات قوة وسرعة في الانتشار غير مسبوقتين في التاريخ البشري.
لقد شكّلت الكتابة -حسب صالح- قفزة في تاريخ الإنسانية مكنت من حفظ تراثها، وكانت خطوة كبيرة نحو تحرير الذاكرة من ثقل الحفظ، ثم جاءت الطباعة عام 1450م مع مطبعة «غوتنبرغ» لتشكل قفزة أخرى في تاريخ الثقافة الإنسانية، سواء في إنتاج النصوص أو توزيعها، لكن مع الإنترنت تخلخلت الكتابة في أقل من عقدين من الزمان بطريقة شكلت انقلاباً في تاريخ الإنسان، فكانت ثورة في إنتاج النصوص وتوزيعها ونوعيتها؛ بل ووظيفتها.
ولفت إلى أن الثورة الرقمية انتقلت بالإنسان من عالم الورق إلى عالم غير مادي، وقد تميز العصر الرقمي عن المطبوع بميزات تتعلق بالحجم والتخزين والسعة والقدرة على الحذف والإضافة والقابلية للأرشفة، وطرق القراءة التي أصبحت أكثر سرعة وتفاعلاً، لكنها أصبحت أكثر سطحية وتشتتاً، فلم تعد القراءة لحظة انعزال، بل صارت لحظة تبادل وتواصل مع الآخرين.
الرقمنة كعملية تحويل ما هو مادي إلى مخرجات رقميّة، تجعلنا برأي صالح أمام مرحلة جديدة في انتقال العالم إلى الرقمنة، وهو بالتأكيد ليس أمراً رفاهياً، بل ضرورة حتمية للتغيرات العالمية، لذا تعاظم الاهتمام بالرقمنة في مجالات عدة وتغيّر السلوك في تعاطيه مع أشياء كثيرة، لدرجة أننا أصبحنا أكثر مرونة وتقبلاً لما يخدم أهدافنا الإنسانية والحضارية.
وتعد الرقمنة سبيلاً مهماً من سبل حماية التراث وحفظه من أطماع ربما تشكل خطراً عليه، خصوصاً ممن لا يدركون معنى وقيمة الفن والثقافة في حياة الشعوب، فنحن بحاجة فعلاً إلى التخزين الرقمي للمعلومات واسترجاعها ووضعها في خدمة المتلقين في الميادين الثقافية والفنية وفي غيرهما من الميادين والمجالات.
واختتم الدكتور سومر صالح محاضرته مشيراً إلى أن تحديات الثقافة في العصر الرقمي تتمثل في تحدي الهويات الرقمية، وفي تحديات بقاء التراث في العصر الرقمي، وتحدي الانتشار السريع والمكثف للميمات الثقافية، وفي أمن المعلومات وتخزينه وسلامته وديمومته.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار