المخرج محمود خضور يرحل بعد رحلة مفعمة بالإبداع

تشرين – ثناء عليان:
بعد رحلة فنية طويلة بدأت منذ أربعة عقود مفعمة بالإبداع في عالم المسرح، يودعنا المخرج المسرحي محمود خضور إلى عالم الأنوار، ملبياً نداء ربه.
اشترك خضور بمكان الولادة “حصين البحر” في محافظة طرطوس مع عملاقين، واحد في الرواية والآخر في المسرح.. وهما حيدر حيدر وسعد الله ونوس، اللذان كان لهما شأن في توجهه، بعد عودته من موسكو عرّفه «ابن البلد» حيدر حيدر على الكاتب الكبير ممدوح عدوان ليشكلا ثنائياً بعد ذلك، شغلا خشبة المسرح في سورية لزمن طويل وبقيا معاً حتى وفاة الأخير.
بدأ خضور مشواره من خلال المسرحية الذائعة الصيت «هاملت يستيقظ متأخراً” للكاتب الراحل ممدوح عدوان وكانت البوابة لرحلة معطاءة وقناعة بالاستمرار في العمل معاً، إلى أن وصل عدد المسرحيات التي أخرجها إلى اثني عشر نصاً مسرحياً للكاتب الراحل عدوان، إضافة لتجربة خاصة جداً ومميزة، وهي مسرحية «اللمبة» وكانت موجهة لذوي الاحتياجات الخاصة الذين كانوا هم الممثلون فيها، وكان لها أثر إيجابي على عالم المعوقين والأصحاء، وقد استمر بها العمل عشرة أشهر كتابة وتدريباً بمرافقة الملحن العراقي «كوكب حمزة»، وهنا وجد خضور نفسه في عوالم الراحل ممدوح عدوان وهذا حقق توافقاً كبيراً بينهما على المستويين الفكري والسياسي، وترجم هذا التوافق من خلال تقديم الكثير من الأعمال الإبداعية، كما عمل على إخراج بعض الأعمال المسرحية مثل “قبل أن يذوب الثلج” للكاتب التركي جواد فهمي باشكوت، ومسرحية “نبوخذ نصر” للكاتب طلال نصر الدين.
اكتفى خضور بأن يشارك سعد الله ونوس بعوالم حصين البحر، من دون أن يخرج له نصاً مسرحياً وهو الذي تهافت المخرجون السوريين والعرب على تقديم نصوصه على الخشبة، وعدم إخراجه لأي نص مسرحي للكاتب سعد الله ونوس لا يعني أن هناك خلافاً فكرياً معه أبداً.. وهذا ما أكده خضور لي في حوار سابق نشر في جريدة تشرين عام 2012 حيث قال: لكل كاتب ومخرج ومبدع، انتماؤه الفكري الخاص به، وقناعاته التي يعبّر عنها بطريقته، سواء الكاتب للنصوص المسرحية، أو المخرج الذي يقدم على إخراجها، وإذ ما صادف هذا المخرج ولم يتناول نصاً لكاتب معين، فهذا لا يعني أنه لا يتفق معه، والراحل سعد الله ونوس من الكتّاب المميزين في النصف الثاني من القرن الماضي، الذي ركز على المسرح السياسي من خلال تناوله الأحداث السياسية التي تعصف بالمنطقة ومعالجتها معبراً عن رأيه من خلالها، هذا إضافة إلى معالجته أحداثاً أخرى، وقد اختار البناء الدرامي والشكل المسرحي للنص بخصوصية سعد الله ونوس وعودته إلى زمن الحكاية والسرد، للوصول إلى الأحداث، وقد توافق أسلوبه هذا مع زميلي الراحل فواز الساجر الذي شاركه عالمه الفكري والمسرحي وأقدم على إخراج معظم نصوصه.
أخرج خضور الكثير من المسرحيات الناجحة إلّا أنه لم يكن معروفاً، إلا بعد عدة مشاركات له في التلفزيون، وكانت له مشاركة بسيطة في مسلسل «دنيا» الذي أعطاه الشهرة التي يرغب بها كل إنسان، وكان يؤكد دائماً أن المسرح ليس جزءاً مهماً من الحياة الاجتماعية فقط، بل هو مكمل لها بشكل جمالي سواء كان نصاً أو تمثيلاً أو إخراجاً، أو مشاهدة، والواقع لا ينعكس فقط على المسرح، بل حتى على صالات السينما، والفن بشكل عام جمالي وروحي بحاجة إلى دنيا خاصة وحياة مضيئة وعشق.
كما كان يرى أن المسرح والسينما والتلفزيون، عوالم تختلف فيما بينها من حيث العمل والإبداع، ولكل منهما متعة خاصة، ولا يمكن المقارنة بين هذه العوالم الثلاثة، كما كان يرى أن أي عرض مسرحي على شاشة التلفزيون يفقده الكثير من ميزاته، ففي المسرح يشعر المشاهد وكأنه في معبد، يرى ويسمع ويقيّم، أما في التلفزيون فيستطيع أن يشاهده وهو مستلقٍ أو يتحدث إلى آخر، ما يفقده متعة الحضور والمشاهدة، لذلك فإن عرض أي مسرحية على شاشة التلفزيون هو للدعاية لا أكثر في رأيه، ولم يكن يؤيد مشاهدة العروض المسرحية على شاشة التلفزيون.
لم يندم خضور يوماً على إنجاز أي عرض مسرحي أخرجه على الإطلاق، وكانت معظم الأعمال المسرحية التي أقدم على إخراجها بمنزلة محطات مهمة في حياته الفنية، لأن المخرج المسرحي في رأيه لا يقدم على أي عمل إلّا بعد دراسة واقتناع كامل بالفكرة المطروحة في هذا النص أو ذاك، والتي سينقلها إلى المتلقي من خلال عرض ممتع ومسلّ يدعو للفرجة المسرحية الممزوجة بالمقولة الفكرية، والتي تعد الهدف الأعلى للعرض المسرحي، لذلك كان راضياً كل الرضا عن العروض المسرحية العشرين التي أقدم على إخراجها خلال حياته الفنية، وكان من القناديل التي أضاءت خشبة المسرح السوري لعقودٍ من السنين.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟ نقص «اليود» في الجسم ينطوي على مخاطر كبيرة يُخرِج منظومة التحكيم المحلي من مصيدة المماطلة الشكلية ويفعِّل دور النظام القضائي الخاص.. التحكيم التجاري الدولي وسيلة للاندماج في الاقتصاد العالمي التطبيق بداية العام القادم.. قرار بتشغيل خريجي كليات ومعاهد السياحة في المنشآت السياحية