سهيل معتوق.. شيخُ المعماريين التشكيليين وصاحبُ تجربة لم تنل نصيبها من الضوء

تشرين-سامر الشغري:

لم تنل تجربة الفنان الراحل سهيل معتوق نصيبها الذي تستحق من الدراسة والبحث، لأن كثيراً من أساتذة التشكيل ونقاده نظروا بعين الريبة إلى دمج العمارة بالفن وهو اختصاص الراحل الأثير، انطلاقاً من الرؤية الكلاسيكية بوجود خط فاصل بين الفنون الجميلة ومثيلتها التطبيقية.

وعلى مدى أربعة عقود هي عمر مجلة رصينة مثل (الحياة التشكيلية)، فإنها لم تتناول تجربة معتوق إلا بعد أن تسلم رئاسة تحريرها الناقد سعد القاسم، إذ كانت تستعد لأن تنشر في عددها الأخير بياناً فنياً ذاتياً بقلم الراحل كتبه قبل وفاته، كما أكد القاسم نفسه.

الفنان الراحل سهيل جورج معتوق ولد في مدينة دمشق سنة 1948 لأسرة تعود جذورها إلى مدينة حماة التي قدمت الكثير من الأسماء في الحراك التشكيلي المعاصر، وكحال أغلب الفنانين بدأ الميل إلى الرسم منذ الصغر، فانتسب إلى مركز الفنون التشكيلية والذي سيعرف لاحقاً بمركز أدهم إسماعيل، وكان لهذه الخطوة الأثر الأكبر في تحديد مسارات معتوق الفنية طوال حياته.. لقد تتلمذ الراحل في المركز على يد أساتذة كبار من أعمدة التشكيل السوري، أمثال نصير شورى وفاتح المدرس وأسعد عرابي، والذين أشرفوا على تعليمه وصقل موهبته، وكان يخرج معهم برحلات خارج المعهد لرسم لوحات بورتريه وطبيعة حية وصامتة بألوان الرصاص والزيتي والمائي حتى بلغ مرحلة الإتقان، ومن المعروف المستوى الذي يحققه خريجو هذا المركز على صعيد الرسم عموماً.

وعندما نجح معتوق في امتحان الشهادة الثانوية وقرر الانتساب إلى كلية الفنون الجميلة سنة 1969، وجد أن إمكاناته في الرسم وما تعلمه في المركز توازي ما هو موجود في الكلية، فأراد تعلم شيء جديد ولذلك اختار قسم العمارة الداخلية، إذ تتلمذ في هذا القسم الوليد على يد أساتذة من مصر وفرنسا.

خلال دراسته في الكلية نفذ مشروعات كثيرة، وكان الأهم بينها مشروع التخرج الذي نفذه مع زميل دراسة اسمه طريف حسيني، وكان المشروع هو مجمع سكني تعاوني يتضمن فندقاً ومطاعم ومركزاً رياضياً ودورعبادة، معطياً لهذا التصميم نمطاً شرقياً واضح السمات في الفضاء الداخلي للمبنى.. وبعد التخرج من الجامعة عين معتوق معيداً في قسم العمارة الداخلية بالكلية، ثم أوفد إلى العاصمة الفرنسية باريس للدراسة في مدرستها الوطنية العليا للفنون الزخرفية وهناك نال دبلوماً عالياً معادلاً للدكتوراه.

ولكن أهمية دراسته في فرنسا لم تكن بنيله للشهادة بل فيما نفذه من تصاميم جسدت مدى ارتباطه بوطنه ورغبته في تقديم شيء لها، فرشح أحد تصاميمه للمشاركة في معارض خاصة بالتصميم، وكان لمعمل يصنع الأثاث صممه على شكل معبد رافدي قديم مع مواكبة التقنيات الحديثة.. وكان مشروع التخرج الذي قدمه معتوق في المدرسة الفرنسية بحثاً عملياً نظرياً بعنوان

/بناء مراسم ومجمع فنانين بهوية مدينة معلولا/ والتي استلهمها كأنموذج يمكن أن ينسجم مع أسلوبه في الرسم لأبنية جديدة تأخذ شخصية هذه المدينة التاريخية وهويتها المعمارية.. في تلك الفترة اشترك في معارض فنية فرنسية ونال جائزتين في معرض لفنانين شباب، وعندما أقام معرضاً شخصياً في «سيتيه ديزار » وهي صالة تتبع للمدرسة الفرنسية، تبلور في ذهنه موضوع معماري يخص دمشق القديمة قدمه ضمن بحث علمي للمدرسة الفرنسية، عن ظاهرة الحارات الضيقة والمغلقة في هذه المدينة ومتطلباتها الوظيفية وتداعياتها الجمالية.

وكان لإقامته ودراسته في فرنسا بين أعوام 1975 و1980 الأثر الأكبر في توجيه نظرته الفنية للعمارة، إذ بعد أن لمس ما يشهده الحراك التشكيلي الأوروبي من مخاضات لولادة طرائق جديدة وجد أن الأنسب لنا هو العودة إلى الجذور.. وبعد عودته إلى سورية عمل مدرساً للعمارة الداخلية في كلية الفنون ثم عين رئيساً للقسم، وقام بأعمال إنشائية في دمشق في اختصاص العمارة منها لمحال وأخرى لتصاميم على ورق، وكان لافتاً فيها مدى الطموح الذي اكتنف هذا الفنان لأنها كانت تشكل رؤية فريدة في إحداث نقلة ثورية بأشكال وسمات مبان وأماكن عامة عبر دمج الفن بالعمارة والقديم بالجديد، ولكن أياً منها للأسف لم يجد طريقه إلى النور.

ورغم تخصصه الأثير بالعمارة، فإن معتوق وجد المتعة أكبر في الرسم والتصوير، ووضع لنفسه فلسفة خاصة حيث لا تقتصر اللوحة على المتعة والنظر بل والفكر أيضاً، لأنه لمس أن أوابد دمشق القديمة يطولها الكثير من التشويه، وبعضها يتحول إلى أنقاض، فأراد استنهاضها عبر اللوحة.. لقد اعتمد الراحل اللونين الأزرق والبني لونين أساسيين كناية عن السماء والأرض، إضافة إلى الهلال كثيمة ثابتة تعكس الصفاء مع استخدام الزخارف والموتيفات العربية الشرقية لإعطاء الهوية، مع تفاصيل أخرى مستوحاة من البيت الدمشقي كالسلم وملقط الغسيل والحبال حتى يغني اللوحات، عاكساً من خلالها برأي الناقد أديب مخزوم العلاقة الحميمية والمزمنة التي كانت قائمة بينه وبين بيئته الحية المترسخة في وجدانه منذ أيام الطفولة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
1092طالباً بالثانوية العامة استفادوا من طلبات الاعتراض على نتائجهم قيمتها ١٥٠ مليون ليرة.. أين ذهبت مولدة كهرباء بلدة «كفربهم».. ولماذا وضعت طي الكتمان رغم تحويل ملفها إلى الرقابة الداخلية؟ الديمقراطيون الأميركيون يسابقون الزمن لتجنب الفوضى.. الطريق لايزال وعراً وهاريس أفضل الحلول المُرّة.. كل السيناريوهات واردة ودعم «إسرائيل» الثابت الوحيد هل هي مصادفة أم أعمال مخطط لها بدقة «عائلة سيمبسون».. توقع مثير للجدل بشأن مستقبل هاريس تطوير روبوتات لإيصال الأدوية عبر التسلل إلى دفاعات الجسم المكتبة الأهلية في قرية الجروية.. منارة ثقافية في ريف طرطوس بمبادرة أهلية الأسئلة تدور.. بين الدعم السلعي والدعم النقدي هل تفقد زراعة القمح الإستراتيجية مكانتها؟ نقص «اليود» في الجسم ينطوي على مخاطر كبيرة يُخرِج منظومة التحكيم المحلي من مصيدة المماطلة الشكلية ويفعِّل دور النظام القضائي الخاص.. التحكيم التجاري الدولي وسيلة للاندماج في الاقتصاد العالمي التطبيق بداية العام القادم.. قرار بتشغيل خريجي كليات ومعاهد السياحة في المنشآت السياحية