نحن والانتخابات النصفية الأميركية

تشرين- عماد الحطبة:
أفردت معظم القنوات الفضائية العالمية بما فيها بعض القنوات العربية مساحات واسعة من بثها لتغطية الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي.
أستطيع أن أكون موقناً بأن عدداً كبيراً من المواطنين العرب بات يعرف أن المعركة الانتخابية في بنسلفانيا حاسمة لتحديد الحزب المسيطر على مجلس الشيوخ، وأن الديمقراطي جون فيترمان فاز على الجمهوري محمد أوز. نفس الأشخاص إذا سألتهم عن اسم محافظ منطقتهم أو ممثلها في البرلمان لن يعرف الإجابة. طبعاً مواطنو دول الخليج حيث لا توجد انتخابات ولا برلمانات سيجدون الأمر أكثر سهولة، فالأمر يتعلق بأسماء أمراء وشيوخ يتولون الحكم من الميلاد حتى الممات.
هنا لا بدّ للمتابع من خارج الوطن العربي من الإصابة بالدهشة عندما يعلم أن قنوات مثل «العربية» و«الجزيرة» تبث من دول لم تعرف الانتخابات عبر تاريخها، وأن مفهوم الديمقراطية غريب عن مجتمعات تلك الدول، التي تدّعي دعم الديمقراطية إلى درجة الذهاب إلى الحروب وارتكاب المجازر كما فعلت في سورية وليبيا واليمن، وأنها مستعدة لإهدار الملايين لتغطية أخبار الانتخابات في العالم من خلال البث المباشر، وتقارير المراسلين، وتحليلات الضيوف.
أما المواطن العربي فقد اعتاد هذا الفصام السياسي ولم يعد يلقي بالاً لما تقوله هذه القنوات، ويتهمها علناً بالكذب والتزوير.
يعلم ضحايا وهمِ الديمقراطية الأميركية، عِلمَ اليقين، أنه بغض النظر عن النتائج التي تنتهي إليها الانتخابات فإن العداء الأميركي لحركات التحرر في العالم، ومؤامراته على الشعوب الساعية إلى الاستقلال لن تنتهي.
أما اهتمامنا بنتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي، فنابع من الإدراك بأنه في ظل الأزمة العالمية السياسية والاقتصادية، ستلعب نتائج هذه الانتخابات دوراً مهماً في تحديد التوجهات الأميركية المستقبلية نحو هذه الأزمات.
من المتوقع أن سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب ستدفع قوانين تتعلق بالحد من المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، وتصعيد الحرب التجارية مع الصين، والحد من إمكانية عقد أي اتفاق نووي مع إيران. في حين يسعى الديمقراطيون إلى الاستمرار في جهودهم لإضعاف روسيا بالحرب والعقوبات، مع تبريد بؤر الأزمات في المناطق الأخرى.
في المسافة بين السياستين يمكن أن تتفاقم الأزمات التي تعصف بالعالم، وأن تزيد معاناة الفقراء والشعوب الفقيرة، لكن العالم بما فيه الولايات المتحدة لا يتحمل المزيد من الأزمات، فقد أثبت الاقتصاد الرأسمالي الغربي هشاشته، وهو اليوم في نقطة تشبه تلك التي كان عندها عام 2008 عشية الانهيار المالي. النتيجة المثالية كانت التعادل بين الحزبين وهذا ما كان.
بلغة الأرقام حصل الجمهوريون على أغلبية في مجلس النواب (199/178) وهو المجلس الذي يسن التشريعات ويحيلها إلى مجلس الشيوخ لإقرارها، في مجلس الشيوخ كانت النتيجة التعادل (48/48) أي إن إقرار أي قانون لا بدّ أن يحصل بتوافق الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
تتجرع الولايات المتحدة اليوم، من كأس الديمقراطية التوافقية الذي سقته للعالم، لن تكون هناك تغييرات حاسمة في السياسة الخارجية الأميركية تجاه القضايا الكبرى، بعض الأطراف سوف تستفيد من حالة التعادل القائمة، كارتلات النفط والأسلحة، على سبيل المثال، كانت تخشى من وقف الدعم لأوكرانيا، ما يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، وتراجع مبيعات الأسلحة إلى أوروبا.
سياسياً سوف تتمتع حكومة بنيامين نتينياهو بالمزيد من الحرية في التنكيل في الفلسطينيين، ومصادرة الأراضي، والاعتداء على دول الجوار، لكنها ستبقى مكبلة عندما يتعلق الأمر بالأزمات الإقليمية، خصوصاً التصريحات حول ضرب منشآت إيران النووية.
عبر تاريخها لم تكن الولايات المتحدة الأميركية إلّا عدواً للأمة العربية وطموحاتها التحررية، لم يتغير هذا الموقف بغض النظر عن أي انتخابات رئاسية أو برلمانية، فالخلاف ليس شخصياً، الرأسمالية لم تشن حرباً على سورية لأنها على خلاف مع الرئيس السوري، أو توجهات الدولة السورية فيما يتعلق بالديمقراطية بنمطها الغربي، لقد كانت الحرب بسبب خيارات سورية الاقتصادية القائمة على محاولة فك التبعية الاقتصادية، وامتلاك القرار الاقتصادي الوطني، وما نجم عن ذلك من استقلال القرار السياسي واختيار طريق الوحدة والحرية، الأمر نفسه ينطبق على ليبيا واليمن وفنزويلا وكوبا وإيران.
لكي يتغير موقف الولايات المتحدة من قضايانا، لا بدّ أن نتغير نحن، المطلوب رأسمالياً، أن نتخلى عن مشروعنا التحرري الوطني، وأن نتحول إلى دول تابعة، ينهب ترامب أموالها، ويقرر بايدن سياساتها، أما إذا بقينا متمسكين بخياراتنا الوطنية فلن يؤثر أي تغيير سياسي في دول المركز الرأسمالي في بلادنا، فرصتنا اليوم تكمن في تمتين التحالف داخل معسكرنا، والتطلع إلى حلفائنا في الصين وروسيا، وتمتين علاقاتنا السياسية والاقتصادية مع هذا المحور، وأن نسقط الغرب ومؤسساته السياسية ومنظماته “الدولية” من حساباتنا.

للمزيد أقرأ أيضاً:

جمهورية كانت أم ديمقرطية.. حكومة الولايات المتحدة تمثل الأثرياء فقط!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار