حدائقُ سائد سلوم مقاعدٌ مقلوبة وأكوامٌ من الحجارة

تشرين-لبنى شاكر :
التعايش مع الخراب غيرُ مقبول؛ عبارةٌ يشتغل عليها التشكيلي د. سائد سلوم منذ أعوام، مرةً على هيئة صخورٍ حوّلتها شظايا إلى قِطعٍ مرمية على طول أمتار، وأخرى قدّم مقاعد مقلوبة فقدتْ شكلها الخشبي المعروف، كذلك حضرتْ الحجارة في أعماله ممزوجةً ببقايا وأشلاء وبُقع لا تُعرف مصادِرها، غير أنّ هذه التشكيلات كانت تنتمي دوماً إلى الحدائق، بِوصفها أمكنةً عامةً، يجتمع فيها الناس من دون أن يكون لتصنيفهم معنىً أو قيمةً يُمكن التوقف عندها، ثم كان فعل الخراب فيها أكبر من الوصف، أنتج وضعياتٍ وأشكالاً يصعب الانسجام معها.
رَفض التعاطي مع غير المألوف، بشكلٍ طبيعي واعتيادي، حَضَرَ مُجدداً في معرض سلوم «ورد وحجر» المُقام مُؤخراً في غاليري البيت الأزرق، واضعاً مُتفرجه هذه المرة أمام مُتضادين مُتجاورين، حتى يندر أن ننتبه للفوارق بينهما، فحيث توجد الورود تُلاصقها الأحجار، تختبئ إحداهما خلف الأخرى، كما يُنذر حضورهما دائماً بضرورة الحذر، خشية سحق الوردة والتعثر بالحجارة، يقول سلوم في حديثٍ إلى «تشرين»: «العنوان يُقارب التناقض في دواخلنا منذ السنوات الست الأخيرة، كل شيءٍ يجري بسرعة ويأخذنا معه إلى مجهولٍ جديد، ترتطم الحياة بالموت، الورود بالأحجار، الأصوات عالية جداً لكنها بلا صدى، لا تمر ولا تنفُذ ولا تُسمَع».
الخطر كما يصفه سلوم لا يتعلق بإدراك الأحداث في حد ذاتها، وما ينجم عنها من آلام وتوتر وفرح، بل ما يُمكن أن يستشرفه الإنسان من المشاعر التي يتوحّد معها، لِتصبح جزءاً منه، فمن غير المنطقي أن نتعايش مع المرض أو القلق أو الخوف، يقول سلوم: «اليوم نسمع عن طفولةٍ غريبة، عنف وقسوة وفتك، كأنّ الأمر اعتيادي ومقبول، كذلك نرى الحدائق مهجورة، أين اختفى الجميع، هذه إشارة إلى هجرة عائلاتٍ بأكملها، تركت أمكنتها فارغةً وغابتْ».
في 42 لوحة، استخدم الفنان أتربةً جلبها من ساحاتٍ عامّة جرت فيها وقائع خطرة، ربما كانت في ذاك الزمن غباراً كثيفاً، مزجها مع ألوانٍ وأصبغةٍ ومواد صناعيّة، أظهرها بأسلوب قريبٍ من السريالية وغني بالدلالات، على شكل كتلٍ رشيقة، تتباين في تراصفها وتراصها وانتظامها، وعلى أنها قائمة في هذه التجربة على التضاد، برز أيضاً في اللون بين الإشراق والعتم، الأصفر مع الأسود، الرمادي مع الأبيض، كما اتجه بوضوحٍ صوب القتامة، كانعكاسٍ لما آلت إليه مَشاهد الحياة حولنا.
عَنونَ سلوم إحدى لوحاته بـ «ليلى»، لا يوجد فيها كائنٌ يُمكن تمييزه، لكن ربما اختلط رُفاته بما تبقى من المكان، وفي «جلنار الزمان» تركيبٌ صنعته واقعةٌ ما من أخشابٍ وحديدٍ وحشائش، أما في «تحوّل الورد» فلا وجود لِما يُوحي بالحياة بقدر ما تمتد بقعٌ صفراء عرضانية، يجوز أنها كانت وروداً أو بشراً أو ماء، أيضاً في «سماء وحجر» تستحيل الرحابة إلى أزرق محدود، تعلوه أكوام مُتطاولة من الأحجار، تكاد تسطو عليه، كأنّ حرباً تندلع بين العدم والوجود.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار