ما الظروف الإقليمية والدولية لعقد القمة العربية في الجزائر؟

تشرين – د. رحيم هادي الشمخي:

تعقد القمة العربية في ظل مناخ دولي معقد، حيث الكثير من الأسئلة والهواجس التي تشغل العالم العربي شعوباً وأنظمة.

هي أسئلة إستراتيجية يتوجب على النظام العربي والإقليمي أن يُجِيبَ عنها, فهناك الحروب التي تشهدها أكثر من دولة عربية، وهذه الحروب تغذيها دول عربية، وأخرى إقليمية، ودولية، ورغم مرور أكثر من عشر سنوات من بداية ما يسمى «الربيع العربي»، فلغاية الآن لم ترس هذه الدول على تسويات سياسية تخرجها من أزماتها البنيوية، لاسيما أنَّ الحلول لم تعد بأيدي الدول العربية، بل أصبحت تتحكم فيها الأطراف الإقليمية والدولية.

بعد أكثر من أربعة عقود من عقد اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، انتقل العالم العربي من مرحلة التسوية إلى إبرام اتفاقيات التطبيع مع العدو الصهيوني، «منذ العام 2020، إذ فرضت بعض النظم السياسية العربية التي وقعت هذه الاتفاقيات، على شعوبها الرضوخ السريع لـ”إسرائيل” كصديقة وحليفة» والإسرائيليين كأصدقاء وحلفاء في زمن قياسي ومفاجئ، وإن كانت هناك مقاومة حقيقية للتطبيع في العديد من الأقطار المطبعة.

وتكمن خطورة هذه الاتفاقيات التطبيعية، في تقليص حجم التأييد للقضية الفلسطينية، لاسيما في ظل بناء هذه الأنظمة العربية تحالفات إستراتيجية مع الكيان الصهيوني في مجالات الاقتصاد والاستثمار والثقافة والتعليم والاتصال، والمؤسسات العسكرية والأمنية، كونها تشكل سنداً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً لمشروعات التطبيع، تؤثر في اتجاهات الرأي العربي نحو القضية الفلسطينية، كما ستؤثر اتفاقيات التطبيع في مجالات الثقافة والتعليم بفاعلية عالية على المدى البعيد، إذا أخذت الدول المطبعة خطوات عملية في ذلك، محققة أهداف «إسرائيل» التي ضمنتها في أغلب «اتفاقيات السلام»، بداية من كامب ديفيد، سواء في نصوص أو مبادئ الاتفاقيات، التي تشمل أهداف تعزيز الصداقة، ووقف أعمال التحريض وأشكاله، وإقامة علاقات طبيعية.

تعقد القمة العربية وكل العالم يعيش تداعيات الحرب بين روسيا والغرب وحلف شمال الأطلسي «ناتو» التي تدور رحاها في أوكرانيا، في ظل نظام دولي أحادي القطبية تسيره وتقوده أمريكا بمفردها لكنَّه في طور الاحتضار، وفي ظل الفوضى العالمية وما يتخللها من مبادرات وتحركات لجهة بناء نظام دولي متعدد الأقطاب، يشهد على ذلك صعود العملاق الروسي من جديد كلاعب أساسي، إلى جانب العملاق الصيني، في مواجهة الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة.

ومما لا شك فيه أنَّ الشرق الأوسط بات يحتل حيزاً مهماً من هذا الصراع الدولي، بسبب وجود النفط، وبسبب التركيز الأمريكي على بقاء النظام الرأسمالي الليبرالي العالمي الذي يعتمد على تدفق النفط والغاز العربيين فالحرب في أوكرانيا أدخلت المنطقة العربية في تجاذبات سياسية جديدة يطبعها اللا يقين والشك، أربكت الاصطفافات والتحالفات التي كانت قائمة، في انتظار أن تتّضح نتائج هذه الحرب.

كما تنعقد القمة العربية في ظروف بالغة الخطورة والجدية تواجهها الأمة العربية، بعد أن أصبحت الدول الإقليمية العربية الكبرى التي تقود عادة النظام الإقليمي العربي على هذا النحو، لجهة عجزها عن تطوير دينامياتها الخاصة، فالعراق أكبر شاهد على حال الدول العربية، إذ حوّله الغزو الأميركي من دولة كبرى إلى دولة تتخبط، كما أوشك على الاختفاء من خريطة العالم، أما مصر، فهي نموذج لحال أخرى للدول العربية، إذ تتعرض لضغوط حتى لا تمارس دورها الطبيعي كدولة لها كيان وثقل سياسي، وسورية هي العينة الثالثة، التي تعاني من الحرب الإرهابية والعقوبات الأمريكية الجائرة.

أكاديمي وكاتب عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار