دخول عصر اليوتيوب بمخيلة الأبيض والأسود!

تشرين- هدى قدور

تناقلت وسائل الإعلام خبر الإعداد لجزء جديد من مسلسل “صبايا”، كما تجري عمليات التصوير اليوم لإنتاج فيلم عن “الزير سالم”، وقبل ذلك اضطر العديد من المخرجين والمنتجين لاختراع أجزاء مطولة من مسلسلات سبق لها أن نجحت في مراحل سابقة انطلاقاً من قاعدة أن الجمهور مضمون بناء على تجارب الأجزاء السابقة!.

الفنون العربية تعاني من دون شك في عصر التكنولوجيا الحديثة واختلاف بث القنوات وسيادة محطات اليوتيوب. فهي لم تصحُ من الصدمة وتلتقط الأنفاس كي تخترع أسلوبها الجديد بما يواكب هذه التغيرات، رغم وجود مسلسلات اليوتيوب القصيرة التي تحاول الرهان على حجم المتابعين من أجل حصد المال من غوغل أو غيرها.

الذائقة لم تعد تناسب المطولات، لا في الكتابة ولا في الفنون البصرية ولا في الموسيقا. فيمكن للمؤلفين أن يقولوا ما يريدون بأقل ما يمكن من الزمن ومن دون الدخول في الهوامش والحواشي التي لا معنى لها سوى إطالة الوقت.

صحيح أن إطالة الوقت كان أسلوباً معتمداً في التلفزيون من أجل “تسكير” الحلقة أو تمديد المسلسل، لكن هذه التقنية لم تعد صالحة اليوم، فالرهان على قصر المادة المنتجة لأن البث عبر الإنترنت يختلف عن تسجيل بكرات الأفلام والمسلسلات المملة التي يجلس المتابع طوال السهرة كي يشاهدها وهو يتناول الفشار ويشعر بالسعادة.

الوقت تغير والظروف اختلفت والمعدات تبدلت، وهذا ما يفترض أن تنتبه إليه الفنون العربية المشغولة غالباً بمنطق الانتشار والربح ولا تعمل على تحديث أدواتها بالشكل المطلوب.

يتحمل المنتج أو صاحب رأس المال المسؤولية الأكبر في هذا الأمر، فهو يريد قطف الثمار الربحية بشكل سريع ومضمون، ولا يمكنه بالتالي الانتظار للتأسيس أو البحث عن أساليب جديدة. لهذا فهو يختار اتباع الأجزاء المتسلسلة من الأعمال الفنية التي تنجح في استقطاب الجمهور لأنه يعلم متابعة الجمهور في مرحلة ما لهذه الأعمال، لكن ما كان يصح منذ سنوات لم يعد صالحاً الآن، والدليل على ذلك بدء غياب شاشات التلفزيون التقليدية عن المنازل العربية ليحل مكانها الإنترنت على أجهزة الموبايل أو عبر البث المباشر بشكل مختلف عن البث عبر صحون الستالايت.

في بداية هذا التطور التكنولوجي، ستتصدر الإثارة واجهة المشهد بالتأكيد، فما نراه حتى اليوم يعمل على الفكاهة السريعة السطحية المشابهة للتهريج، أو يذهب باتجاه مقالب الكاميرا الخفية التي تظهر ثقيلة و”بايخة” وذات تنفيذ رديء لأن أصحاب المقالب غير ممثلين في الأساس.

كل ذلك يبدو طبيعياً في بداية مواكبة التقنيات الجديدة، لكن السؤال يتعلق بعامل الزمن الذي سيتطلبه هذا التجريب بالمشاهدين. هل سنغرق عشر سنوات في الهشاشة والابتذال والرداءة في التمثيل، لأن الهدف مواكبة السرعة بحلقات تجلب أكبر عدد من المتابعين؟. بالتأكيد هذا ما سيحصل، لكن نرجو ألّا يطول!. وكأن العاملين في الفنون العربية يريدون دخول عصر اليوتيوب بمخيلة الأبيض والأسود!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار