السياحة من منظور أهل الخبرة.. استثمار بالطاقة القصوى وريعية لأصحاب النخب مستثمرون: قانون الاستثمار يفتقد الوضوح والتطبيق الفعلي

تشرين-بارعة جمعة:
رسالة تعافٍ وأمان واستقرار، وخطوات لإعمار القطاع السياحي، عناوين عريضة حملت في طياتها الكثير من الأمل بمستقبل السياحة السورية على مختلف مسمياتها، إلّا أن ما لم يُتفق عليه حتى اليوم هو آلية العمل حول دعم هذا القطاع بمستوياته المختلفة، بدءاً برواده من ذوي الدخل المحدود وانتهاءً بفئة النخبة، ممن وصفوا بأصحاب الحظ الأوفر لهذا العام، وسط تراجع حاد في الإقبال على السياحة، التي ترافقت بمعوقات كثيرة لها أسبابها ومبرراتها.
مضامين منوعة
وإذا ما نظرنا إلى واقع الحال، فسنجد ما لم يكن بالمستطاع الهروب منه أو التخفيف منه وهو تكلفة الإنتاج، إلّا أن ما يسعى إليه الجميع في وقتنا الحالي هو النهوض بهذا القطاع، الذي عده الأغلبية قطاعاً تنموياً خدمياً و مكملاً لقطاعات أخرى، لجهة الانفتاح على التعاون بين سورية ودول الجوار والدول الحليفة والصديقة، الذي بدوره شغل جزءاً كبيراً من برنامج سورية ما بعد الحرب، كما أن اعتماده على رؤوس أموال متنوعة عدا دخول مشروعات كثيرة ضمن الخدمة في الأعوام القادمة جعل له خصوصية وفرصاً استثمارية كثيرة مطروحة ضمن البرامج المقدمة، التي ترجمها قرار مجلس التخطيط الاقتصادي والاجتماعي من خلال صرف مليارين ونصف مليار لدعم السياحة الشعبية، بصفتها نشاطاً مهماً ويتطلب التنظيم لا الفوضى، إضافة للجودة والنظافة.

ويشكل قطاع الاستثمار السياحي شيئاً أساسياً ضمن حياتنا اليومية، إلا أنه لا يمثل كل نشاطات المجتمع، برأي المستثمر وطالب الدراسات العليا محمد صفوان الحلاق، لحاجته لكثير من المقومات التي يأتي أبرزها المبيت والنقل، وإذا ما نظرنا إلى نسبة حجم العمالة التي لا تتعدىَ الـ12% من عدد العمالة المتوافرة، يتضح لنا أن قطاع السياحة قادر على توفير فرص عمل، شرط عدم الانحياز لشكل أو لون، كما يفرض واقع اليوم وبعد سنوات من الحرب التي أخذت طابع الانقطاع عن الحياة والدراسة في مناطق عدة، إلزام الجميع بالتغاضي عن مبدأ الخبرة للتوظيف.
السياحة الشعبية
في حين يبقى لمجال السياحة اليوم صبغة أخرى، ما زالت تعاني الكثير من المعوقات وعلى رأسها جودة الخدمة والتسعير الواقعي اللذان عدهما الحلاق ضمانة لعودة السياحة للمساهمة بالإنتاج المحلي، فيما يبقى الاتجاه الأكبر لهذا النوع، لكون السياحة الشعبية تمثل احتياجات الكثير من المواطنين، وهنا لا بد لنا من البحث عن سبل لتوفيرها بطرق ووسائل تضمن الاستفادة منها بشكل أكبر، والتي جاءت ضمن مقترح الحلاق في إخضاعها لخطة التقسيط بوساطة البنوك، كوسيلة لضمان حقوق المقسط، وذلك عبر برنامج للبنك نفسه شرط الربح مناصفة بينه وبين المستثمر، من دون إغفال عملية طرح أسعار تناسب المشتري أيضاً.
وأمام فوائد القروض من البنوك، يجد الحلاق أن هذا الأمر بات بدهياً للمواطن، الذي سيحقق عن طريق عملية التقسيط شرط الترفيه عدا خوضه تجربة كان من الصعب له الإقدام عليها، ولأن لكل فكرة جديدة ردود أفعال مناوئة لها بشدة، يقف اليوم سعر الصرف وجدية المشتري بمنزلة الحاجز أمام تنفيذ هذا المقترح، إلّا أنه وبمجرد تجربتها ستتحول لترويج عفوي بين المواطنين أنفسهم، ومن ثم الاعتياد عليها، بحيث يبقى للنخب مناطق جذب خاصة بهم من الصعب إخضاعها لمبدأ الشعبية، تفادياً لفقدانها ميزة السياحة الترفيهية لهم.
وما تسجله السياحة اليوم من تكاليف عالية تعود لغلاء مستلزمات الخدمة السياحية نفسها، قياساً بدول الجوار، يبرره عدم ثبات سعر الصرف، برأي الحلاق، إلا أن من يرغب بالعمل بشكل صحيح عليه التخلي عن جزء من أرباحه، شرط عدم الخسارة، فالانتعاش الجزئي لهذا القطاع يعود بشكل أساسي لحصره ضمن فترة زمنية لا تتعدى الـ100 يوم ضمن فصل الصيف، حيث إن طبيعة البلاد لا تشجع قيام سياحة شتوية، وما تم العمل به ضمن منطقة بلودان العام الفائت يندرج تحت مسمى السياحة النخبوية، ليبقى للسياحة الأثرية حضورها الفعال أيضاً ضمن خطط وبرامج الرحلات، مع اشتراط وجود برنامج صحيح لضمان الربحية أيضاً.
الإجراءات التنفيذية

وأمام ما تشكله السياحة من عامل جذب لرأس المال المحلي والخارجي، إضافة لاعتماد الكثير من الدول عليها بصفتها وسيلة لإنعاش البلاد والاقتصاد وتشجيع الجميع على العمل بها، والتي ترجمتها القوانين الصادرة كقانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام 2021، مازالت هناك حلقة مفقودة بين ما ينص عليه المرسوم من مبادئ جيدة وتسهيلات إجرائية وجمركية ومالية للمستثمر وبين واقع تطبيقه الفعلي، وذلك حسب توصيف رئيس غرفة سياحة اللاذقية وعضو مجلس الشعب حسن كوسا، نظراً لما يتم العمل به اليوم ضمن هذا القانون، فتقديم التسهيلات لابد أن يتزامن مع تنسيق وفق آلية العمل التابعة للوزارات والبلديات والمحافظات، عدا تأمين البنية التحتية لها، فالسياحة لا تقتصر على الترفيه، بل تعدت ذلك لأنواع أخرى تمثلت بمواسم تتماشى مع السنة بما فيها الشتوية والدينية والثقافية، إلا أنه حتى اليوم لا يوجد تخديم لهذا المشهد السياحي، مرجعاً السبب للإهمال والكثير من المعوقات ضمن إجراءات تنفيذية تعوق المستثمر، بموازاة ضعف القوة الشرائية التي لا تخدم حتى اليوم قيام سياحة شعبية، تستوجب فكرة قيامها أن تكون مجانية، فالبيئة اليوم غير مشجعة لقيام هذه السياحة، لجهة القلة في المحروقات والطاقة وتعقيدات العمل بكل أنواعها كالتراخيص، ليبقى للاستثمارات السياحية، برأي رئيس غرفة سياحة اللاذقية، الأفضلية من حيث انخفاض تكلفها من حيث قيمة الأرض أو العقارات، فيما تبقى تكلفة الإنشاء والتجهيز التي تتطلب رأسمالاً ضخماً، فحتى ترقى السياحة إلى المستوى المأمول منها، هي بحاجة لمعطيات جديدة والعمل بحب للوطن مع الاحتفاظ بحق الربح إلى جانب تحقيق المنفعة العامة.
استثمارات محلية
وانطلاقاً من مبدأ العمل ضمن فريق واحد، وجد البعض من المستثمرين حلولاً مبدئية تقوم بشكل أساسي على تنمية السياحة الشعبية، فغدت فكرة جلب مستثمرين وتجهيز مشروعات لعرضها ضمن الملتقيات الاستثمارية عنوان المرحلة الحالية للفريق الاستثماري في محافظة القنيطرة، ممثلاً بالمستثمر سامر الحوري فالتنظيم عنوان العمل، ودعم المحافظة بالاستثمارات هدفه، ليبقى لافتتاح مقصف الجولان، الذي شكل باكورة الأعمال الاستثمارية للمحافظة، نقطة البدء للانطلاق بمشروعات أكبر كالمقاصف والفنادق فيما بعد، وما تعانيه محافظة القنيطرة من تعتيم ومظلومية من جهة السياحة جعل فكرة الترويج لها وسيلة لجذب المستثمرين لها حسب تصريح الحوري، فالسياحة اليوم بمنزلة بئر نفط وتشكل الجزء الأكبر من ميزانية الدولة، فما كان يقصده الكثير سابقاً في «سيران» يوم الجمعة، يترجمه الفريق الاستثماري اليوم برحلة ضمن منطقة جاذبة للناس بموقعها المتوسط في المنطقة الجنوبية، وخلوها من التلوث، تضاف لذلك كثرة مسطحاتها المائية التي جعلت منها بديلاً محلياً عن الذهاب للسياحة في المنطقة الساحلية، التي خلقت فكرة إنشاء شاطئ مماثل للساحل أيضاً.
وفي دراسة للجدوى الاقتصادية من هذه المشروعات، باتت فكرة استعادة رأس المال تستلزم وقتاً أطول، ما يفرض على هذه المشروعات دعماً حكومياً كالإعفاءات الضريبية لكونها منطقة تنموية، فقانون الاستثمار جيد برأي الحوري، إلّا أن تعليماته التنفيذية غير واضحة، والمطلوب اليوم تكاتف الدولة والمجتمع لإنجاح هذه العملية.
وأمام كل ما يعوق تجربة الاستثمار المحلي وخطط النهوض بالقطاع السياحي يبقى السؤال: ما السبل التي تضمن للمواطن حق الترفيه؟ وهل ستبقى فكرة خروجه من المنزل تحتاج حسابات كثيرة بالنسبة له؟!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار