اقتصاد الغاز وحقل كاريش وقرع طبول حروب المستقبل؟

أ . د . حيان أحمد سلمان

تشهد الساحة العالمية حالياً صراعاً دولياً حول حوامل الطاقة من ( نفط وغاز وفحم حجري ) وخاصة على الغاز ويتنامى الطلب عليه من سنة لأخرى، فقد ارتفع في سنة /2021 /  بالمقارنة مع سنة /2020/ بنسبة /4.8%/  وسيزداد في سنة /2022/ والسنوات التي تليها بسبب أنه أقل المصادر تلويثاً للبيئة وأكثر مردودية ، وتزداد أصوات ( طبول الحرب ) الدولية وخاصة بعد قرار مجموعة ( أوبك بلاس + ) بتخفيض الإنتاج من النفط بحدود /2/ مليون برميل يومياً منذ بداية شهر تشرين الثاني لسنة /2022/، وهذا أزعج الإدارة الأمريكية، على أن مجموعة ( أوبك + ) التي تضم /23/ دولة وهي دول الأوبك البالغ عددها حالياً 13 دولة وهي  ( السعودية والجزائر والعراق والكويت وليبيا والإمارات وإيران وفنزويلا والكونغو وأنغولا والغابون وغينيا ونيجريا )، و/10/ دول جديدة وأهمها ( روسيا وكازاخستان وأذربيجان وماليزيا والمكسيك والبحرين وبروناي وسلطنة عمان والسودان وجنوب السودان ) من دول العالم المنتجة والمصدرة للنفط قد انحازت إلى روسيا ! وبنفس الوقت يزداد التوتر حول الغاز الذي زاد الطلب عليه في سنة /2022/، ومع الاكتشافات الحالية والكبيرة لحقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط ومع زيادة حاجة الأسواق الأوروبية للغاز بدأنا نشاهد تدخلات غربية (أمريكية وأوروبية) في استخراج الغاز من منطقتنا بهدف تعويض أوروبا عن الغاز الروسي، وهذه المشكلة الاقتصادية ستتفاقم أكثر مستقبلاً بسبب تبعية أوروبا لأمريكا، وفرضها عقوبات اقتصادية على روسيا لم يشهدها التاريخ!

ويتركز الصراع حالياً بين (لبنان) و(الكيان الصهيوني) وخاصة حول حقل (كاريش للغاز الطبيعي  Karish gas field) المكتشف سنة /2013/ وتقدر احتياطياته بين / 1،3و2/  تريليون قدم مكعب وهو ضمن المنطقة المتنازع عليها مع الكيان الصهيوني الذي يدعي أن الحقل تابع له، ومع زيادة الرحلات المكوكية للوسيط الأمريكي (آموس هوكشتاين) والتصريحات المتفائلة للسفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا بعد لقاءتها مع الرئاسات الثلاث في لبنان! ولكن قناعتنا الاقتصادية المنطلقة من معرفة الأطماع الصهيونية في الثروات العربية فإن توقيع الاتفاق لن يحصل قريباً بسبب الصراعات الصهيونية واستخدام العرب في أتون المعارك الانتخابية الإسرائيلية، وهذا تجسد بشكل واضح خلال الأسبوع الماضي بتقاذف التهم بين الحكومة الصهيونية بقيادة (لابيد) والمعارضة بقيادة (بنيامين نتنياهو)، ولكن بالمقابل فإن لبنان بشكل عام ومقاومته بشكل خاص، وحزب الله اللبناني بشكل أخص، أكدوا على أنه لن يتم السماح ل (إسرائيل) باستخراج الغاز من حقل كاريش قبل أن يحصل لبنان على كل حقوقه، وأمام هذه التناقضات للمفاوضات التي تتم وبشكل غير مباشر فإن مستوى التصعيد يزداد بينها، والدليل انه بتاريخ 6/10/2022 صدر قرار صهيوني يدعو للتصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان إذا انهارت المفاوضات الغير المباشرة لترسيم الحدود البحرية، التي بدأت في شهر تشرين الأول سنة /2020/، وخاصة بعد أن اطلع لابيد على التعديلات التي طالب بها لبنان وأوعز للفريق المفاوض برفضها، وهنا نسأل، بل نتساءل وأمام ضغط الحاجة الغربية للغاز أياً كان مصدره باستثناء روسيا: هل ستمارس أمريكا ضغوطاً على الطرفين لتنفيذ الاتفاق؟ وتلجأ من طرف آخر على ممارسة الغدر والنفاق في حقل كاريش والحقول المجاورة له من قبل شركة ( إنيرجيان) البريطانية اليونانية باعتماد طريقة استخراج منحرفة وليست عمودية، وبالتالي يتم سرقة الحوضين /8و9/ في المنطقة!! وعندها يتحول حقل كاريش إلى منصة وأنبوب لسرقة الغاز اللبناني؟ ولكن الأحداث اليومية تؤكد أن المقاومة اللبنانية تضع هذه الأمور في حساباتها.. حيث أكدت أن أي عمل صهيوني في حقل كاريش والحقول الأخرى لا يضمن حقوق لبنان بشكل كامل 100% فإنه يعتبر عملاً عدائياً سيتم الرد بالوقت والشكل المناسبين، وأكد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بقوله: (عيننا وصواريخنا على حقل كاريش وإننا لن نسمح لإسرائيل باستثمار حقل كاريش قبل تحقيق مطالب لبنان) ، وإن الكيان الصهيوني وصلته معاني إطلاق المقاومة للطائرات المسيرة الاستطلاعية بتاريخ 2/7/2022 في اتجاه المنطقة المتنازع عليها، وتحديداً مكان وجود المنصات العائمة التابعة للشركة اليونانية – البريطانية (إنيرجيان) أي إن هذه المسيرات أنجزت مهمتها بنجاح، ووصلت الرسالة المستهدفة لقيادة الكيان الصهيوني، وهذا أحدث ارتباكاً سياسياً وأمنياً كبيرين فيه، وأدى ذلك  لمغادرة شركة إنيرجيان مؤقتاً المنطقة باتجاه الكيان الصهيوني، ومن هنا نتفهم أن القوة لا تواجه إلا بالقوة وأن إسرائيل وأمريكا وأوروبا لم يعودا  قادرين على فرض ما يريدون في ظل تغير معادلات القوة الدولية، بدليل أن الكيان الصهيوني أرسل وفداً من وزارة الطاقة الصهيونية إلى فرنسا وتحديداً إلى شركة (توتال) التي ستقوم باستخراج الغاز، والهدف هو الوصول لاتفاق مرتقب لترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، ومعرفة ما سيحصل عليه الكيان الصهيوني من إيرادات ولاسيما في حال اكتشاف حقول جديدة للغاز، وخاصة في منصة (قانا) لاسيما بعد أن قدم الوسيط الأمريكي اقتراح حل وسط ل (إسرائيل) ولبن ان بعد العديد من الزيارات والاتصالات مع البلدين خلال الأشهر الماضية، ومن هنا يتبين لنا أن المفاوضات تمرّ بمرحلة حذرة تسيطر عليها حالة عدم اليقين ، فهل تنضم جوقة عزف طبول الحرب المتوسطية إلى طبول الحرب الغربية الناتوية الروسية؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار