عنتريات..!

لنعد قليلاً إلى الوراء أي قبل سنوات الأزمة, كانت الحكومات المتعاقبة تبحث في سعيها وخطواتها, وحتى في برامجها عن سياسة ترشيد للمستوردات, ليس لعدم القدرة على التمويل, وإنما لحماية المنتج المحلي ودعم إنتاجيته, حينها كيفما التفتَّ في أسواقنا تشهد فسيفساء جميلة, تعقبها لوحات أجمل تحتوي على تشكيلة سلعية هويتها؛”منتج سوري”، أو صنع في سورية, وهذه كانت العلامة الفارقة التي تخطت بها سورية عتبات أكثر من 80 دولة أسواقها تعج بهذه العلامة وهويتها الوطنية, وكانت ومازالت مفخرة الجميع ..
لكن هذه الصورة لم ترق للكثيرين من داخل وخارج البلد فكانت سنوات الحرب, واستهدفت ما استهدفته من مكونات هذه العلامة, وتغير الاتجاه الحكومي بفعل نقص المادة وقلة الإنتاج المحلي, فأصبح الترشيد وفق اتجاهين: ضعف التمويل, والثاني دعم الإنتاج وحمايته. وقبل ذلك تشجيع آلاف المنشآت الصناعية والحرفية للعودة إلى سوق الإنتاج, والجانب المهم أيضاً اتباع سياسة مكافحة التهريب, ومحاولة توفير البدائل قدر الإمكان من السوق المحلية، وهذه سياسة فرضتها سنوات الحرب وحصار اقتصادي أدى إلى مفاعيل سلبية على الواقع بكل أبعاده الاقتصادية منها والاجتماعية وحتى الخدمية, وهنا لا أجامل إذا قلت إن حكومات الأزمة كانت بمستوى متجاوب إلى حدّ ما مع ظروف الحرب والتعامل مع أزماتها وفق المستطاع، وما هو متوافر من إمكانات, فكان النجاح في مكان, والإخفاق في مكان آخر, والأخير هو الأكثر وضوحاً نتيجة ضعف التمويل, وخروج مصادر الدخل الرئيسة من يد الدولة, واستهداف المكون الإنتاجي وخروج أغلبيته من الإنتاج, وهذه فرضية حمّالة أوجه, ثمة من يختبئ خلفها من القيادات الحكومية وعدّها شماعة, وآخرون حاولوا واجتهدوا وأصابوا في العمل, لكن المطلوب والمتوافر أقل بكثير من الحاجة, لذا انعكاس ذلك محدود, وتأثيره الايجابي في حدوده الدنيا، وحتى نخرج من هذه الحالة لابدّ من سياسة حكومية واضحة تخرج من دائرة الارتباك, والتخلص من قيادات شماعة الأزمة, ومن يختبئ خلفها , ووضع حلول تستهدف بالدرجة الأولى (مكونات المنتج المحلي) لأنه الوحيد القادر على ضبط إيقاع السوق, فلا الترشيد ينفع, ولا ضبط الحدود, ولا حتى (عنتريات الاستثمار والمستثمرين) وشعاراتهم الطنانة والرنانة التي تحمل “يافطات” براقة, لكن اتجاهها فارغ لأنه لا يحمل استثمارات استراتيجية تبني حالة اقتصادية متميزة, بل استثمارات استهلاكية تذوب بانتهاء الحاجة, وهذا هو مرضنا اليوم، فهل نصحو من كابوسها, وننتهي من هذه العنتريات التي لا تفيد أو تغني بشيء…مسلسل الانتظار مستمر سامحونا..!

Isaa.samy68@gmail.com

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار