التشكيلي إلياس الزيّات..كبيرنا الذي علّمنا الفن

تشرين-سامر الشغري:

لا يجيء ذكر الفنان التشكيلي الراحل إلياس الزيات إلا ويسبقه تمييزاً له عن معظم أبناء جيله لقب المعلم، الذي يحمل في أذهاننا وتصوراتنا معاني لا تقتصر على المشتغلين في مهنة التعليم فحسب، بل وتوحي بتفرد صاحبها عن نظرائه.. وسوف نجد لدى دراسة تجربة الزيات الفنية أنها متنوعة المشارب، من نشأته لعائلة تعود جذورها لمدينة صيدنايا التي شهدت أول أيقونة رسمها لوقا الرسول، وتتلمذه في صباه طوال ثلاثة أعوام على يد ميشيل كرشة رائد الانطباعية في سورية، ودراسته للفن أكاديمياً في بلدان مختلفة المدارس والمناهج، وسعيه المزج بين ما تلقاه في الخارج وتراثنا الغني، ولاسيما في الجداريات والأيقونات، من دون أن تبهره الحداثة الغربية ومدارسها.
الزيات الذي ولد في دمشق سنة 1935 اختار بعد أن نال الشهادة الثانوية دراسة الرياضيات في الجامعة، وكان يؤكد أن دراسة هذا التخصص أفادته في تنفيذ اللوحة بأسلوب علمي، وألا يعتمد فقط على الصورة البصرية.
وكان على الزيات أن يقنع أسرته بالتخلي عن الرياضيات لدراسة الفن لأنه في نظرها لا يطعم خبزاً، حتى يستطيع أن يسافر ضمن البعثة التعليمية التي أوفدتها وزارة المعارف الى أكاديمية الفنون الجميلة في بلغاريا سنة 1956.. ولم ينسَ الزيات أن ينسب الفضل بمشاركته في هذه البعثة للفنان الرائد محمود جلال الذي سعى خلال عمله مدرساً للرسم لاختيار شباب موهوبين بعد اختبارات صعبة لدراسة الفن في الخارج والعودة لنشره محلياً على أوسع نطاق.
درس الزيات الفن في ثلاثة أقطار متباعدة ما أكسب تجربته تنوعاً شديداً، من بلغاريا التي قضى أربع سنوات مع أساتذتها الصارمين كلاسيكيي النزعة أتباع الواقعية الألمانية، الى كلية الفنون الجميلة في القاهرة التي تعمق فيها بدراسة الانطباعية الفرنسية والبحوث التشكيلية المعاصرة، وأكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة المجرية بودابست حيث أعد دراسات على تحليل الألوان وعلى كيمياء المواد في متحف الفنون التطبيقية وحصل على مؤهل علمي يعادل الدكتوراه أهّله للتدريس.
لدى عودة الزيات شارك مع الراحلين محمود حماد ونصير شورى في تأسيس كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، وفي وضع مناهجها والتدريس فيها منذ عام 1962 طوال أربعين عاماً، وشغل فيها مناصب عدة ومثّلها في مناسبات واتفاقيات خارجية، وتخرج من تحت يديه فنانون كبار سطعوا عالميا أمثال عبد الله مراد ونزار صابور ومصطفى علي.
آمن الزيات بشدة بأن تجربة الفنان يجب أن تخرج من بيئته، وتعمق في دراسة تاريخ الأيقونات في سورية وما فيها من تأثيرات يونانية وبيزنطية وفارسية وتمازجها ضمن مدرسة أنطاكية العريقة.
شغف الزيات بدراسة تاريخ الفن في سورية منذ العصور القديمة جعله يوظفه في لوحاته وعن ذلك قال ((قادتني تجربتي الشخصية وطموحي الفكري إلى التلذذ باكتشاف العناصر الفنية التراثية في سورية والشرق العربي، وانجرفت ضمن هذا التيار، فكنت واحداً من جيل بعد الرواد الذي شعر بالانتماء إلى حضارة هذا البلد، وأصبحنا نتسابق كفنانين في دراسة مفردات تراثنا، ولاسيما المتعلقة بالخط والزخرفة والفن التشخيصي العربي//.
إن الدارس للوحات الزيات يكتشف فيها مرجعيات حضارية سورية كثيرة، من نسب الجسم والرأس والملامح التدمرية، وتأثيرات الأيقونة والخصائص الشعبية ورموز الحياة اللونية.
قراءاته وتمسكه بجذوره جعلانه يغرم بالأدب العربي ولغتنا الجميلة، وأصبحت الكتابة على اللوحة من سمات أسلوبه، فكتب عليها أشعاراً لمحمود درويش وفدوى طوقان انسجاماً مع إيمانه بالقضية الفلسطينية، وعلى أخرى مقولات لجبران حتى إنه خصه بمعرض منفرد، لقد آمن أن استخدام الكتابة في اللوحة ليس لغاية تزيينية بل هي عنصر تشكيلي مثل اللون والشكل.
وشكل الناس العاديون مادةً دسمة في لوحاته، ولطالما جاب الشوارع ليرصد الأطفال الذين يبيعون ورق اليانصيب والباعة المتجولين، ونظر لهم على أنهم أشخاص مقدسون وتعلق بهم ورسمهم في حالات شتى.
كان الزيات أحد الباقين القلائل من عصبة العشرة التي ضمت أسماء سورية في عالم التشكيل، حاولت صناعة فضاء خاص بها بعيداً عن المؤسسة الرسمية و النقابات، منهم نذير نبعة وخزيمة علواني وغياث الأخرس وآخرون.
ولم يقتصر نتاج الزيات على عشرات المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها، بل زين كنائس سورية عدّة بالأيقونات والجداريات.
ووضع الزيات كتاباً صبّ فيه خلاصة تجربته في مجال أساليب تنفيذ اللوحة، حمل عنوان تقنيات (التصوير ومواده)، ولمعارفه الواسعة عمل خبيراً في هيئة الموسوعة العربية لتحقيق موضوعات العمارة والفنون، كما كان عضواً في مجلس احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية وحاز عام 2013 جائزة الدولة التقديرية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار