أسواقنا التراثية كبصمة الحضارة 

تمتاز سورية بتنوع أسواقها وتراثها ما بين محافظة وأخرى، بل أحياناً بين منطقة وأخرى في المدينة نفسها، وهذا بلا شك يضفي مزيداً من الشغف والإبداع وتلمس عبق التاريخ ويكون مدعاة للمواطن قبل السائح للتنقل بين أرجائها والاستمتاع بما تحويه من تراث قلما تجده في بلد آخر.. واليوم يأتي مرسوم السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد حول إعفاء المنشآت والمكلفين وأصحاب الفعاليات الاقتصادية من كل الضرائب والرسوم المالية والمحلية وبدلات الخدمات المفروضة على أعمال الترميم وإعادة التأهيل لمنشآتهم ومحالهم ومنازلهم الواقعة ضمن الحدود الإدارية للمدينة القديمة في كل من محافظات حلب وحمص ودير الزور.. ليعيد الروح والألق والحياة لتلك الأسواق ولأصحاب المهن اليدوية التراثية الجميلة وليشكل داعماً قوياً لأصحاب البيوت القديمة التي تحتاج ترميماً ولمسات فنية تحافظ على جمالية هذه المناطق وأصالتها ولاسيما إذا ما أخذنا في الحسبان أن التراث لأي بلد بالعالم هو بصمة الحضارة في هذه البلد والتي لن تتكرر أبداً.

فمن منا لا يعرف أسواق مدينة حمص التي تحتوي العديد من الأسواق التراثية منها سوق الصاغة وهو أطول الأسواق ومنه يتفرع سوق العطارين ثم سوق الحرير ويعد أقدم الأسواق في مدينة حمص القديمة وهو مغطى بالقباب التي تعود إلى العصر المملوكي ثم سوق المنسوجات وسوق القيصرية وهو مبني من عقد حجرية على شكل أقواس تلتقي في مركز واحد تزينها زخارف نباتية جميعها أسواق احتفظت بتاريخها وتراثها لتبث في نفس زائرها عبق التاريخ الذي خلّفه الأجداد, وفي حلب بالمدينة القديمة داخل الأسوار نجد أسواق “حلب” الرائعة التي تمثل حياً قائماً بذاته في جنوب غرب القلعة والتي تمتاز عن كل أسواق المدن، فهي مغطاة بعقود حجرية سميكة أشبه بالأروقة تحمي من وهج حر الصيف ومن برد الشتاء بأمطاره وثلوجه أما الإنارة فتتحقق بمقادير معقولة من خلال كوات مفتوحة في السقف تنير الممرات بوساطة حزم من أشعة الشمس التي تندفع وكأنها أنوار المصابيح الكشافة، ما جعل مدينة “حلب”تشتهر بأسواقها التجارية القديمة التي تعود بتاريخها إلى تاريخ بناء مدينة “حلب” نفسها وتعد الأولى في جميع أنحاء العالم من حيث كبرها وسعتها وتعدد الفعاليات الاقتصادية التي تُمارس فيها منذ أقدم الأزمنة وحتى يومنا هذا، وقد لعبت هذه الأسواق عبر التاريخ دوراً بارزاً في تاريخ المدينة الاقتصادي والتجاري والسياحي والإداري..

وتحوي مدينة دير الزور نمطاً تقليدياً من الأسواق المسقوفة التي تمثل العصب التجاري للمدينة، كما تشكل نقطة التقاء بين أهل الريف والمدينة، ويعدّ سوق الميري أول الأسواق المبنية ضمن سلسلة الأسواق القديمة. ونظراً إلى قيمتها الفنية والجمالية والتراثية، فقد تم تسجيلها في مديرية الآثار للحفاظ على هذا الإرث الحضاري، وبقيت المحلات بيد أصحابها الأصليين لكونها المورد الأساس الذي يعتمدون عليه في رزقهم.

وتضم أسواق دير الزور القديمة (السوق المقبي) سبعة أسواق ضاربة في القـِدم تجتمع في مكان واحد لتشكل مركزاً تجارياً مهماً في دير الزور وهي: سوق العطارين يقع في الجهة الشرقية للأسواق القديمة، ويطل بواجهته الجنوبية على الشارع العام، وينتهي شمالاً بسوق الحبوب، وقد أدخلت بعض التعديلات العمرانية والمعمارية على هذا السوق فاستخدم البيتون المسلح في سقوف بعض المحلات وخاصةً في الجهة الشمالية منه، ويختص بتجارة المواد الغذائية والتوابل والأعشاب الطبية والمنظفات وغيرها من مواد العطارة.

لقد جاء مرسوم الأسواق القديمة والتراثية في محافظات حلب وحمص ودير الزور بما يحمله من إعفاءات وتسهيلات غير مسبوقة كإجراء مهم ليتجاوز مرحلة الأزمات والحروب والإر*ها*ب وما عصف بهذه الأسواق من دمار وتحديات ليعيد الأمل والنشاط والروح إلى هذه المدن وإلى الأسواق الشعبية والتراثية التي تمثل واجهة شعبية وسوقاً تراثية وتكون بمنزلة نقطة إشعاع يلتقي فيها البعد السياحي والاجتماعي والتراثي في مكان واحد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار