رعاية الأجيال

الأب حسن سليمان الطبرة:
تتعلق استمرارية المجتمع وتقدّمه بتربية الأجيال أطفالاً ويافعين وشباباً، ورعايتهم وإيجاد البيئة المناسبة لتنشئتهم ومتابعتهم وتثقيفهم وتربيتهم، أما البيئات المناسبة لتنشئة أولئك فهي متعددة، منها المؤسسات العامة ومراكز واتحادات الشبيبة والطلاب والمدارس وغيرها.
ولابدّ أن تتميز هذه المؤسسات والمراكز بحسن الاستقبال لمرتاديها، وخاصة من الذين يعيشون معاناة اجتماعية أو منزلية أو عائلية أو زوجية أو اقتصادية، ما يتطلب من هذه المؤسسات أن تستقبلهم باحترام ومحبة مجانية، وتهتم بشخصهم وتساعدهم حتى يتخطوا مشكلاتهم وينمّوا ويحققوا ذواتهم، ويعيشوا بفرح.
أما البيئة الثانية الفاعلة في تربية الأجيال فهي العائلة أو الأسرة، ما يتطلب تعزيز روابط الوحدة بين أفرادها سواء بين الزوجين أو بين الأهل والأبناء بدءاً بصغائر الأمور كالتحية والكلمة الحلوة وغيرها.
ذلك يفوت الفرصة على التقنيات التي تعزّز الفردية عند الإنسان بحيث يكتفي كل فرد من أفراد الأسرة بمحاكاة جهازه وانفصاله كلياً عن بيئته المحيطة، وكثيراً ما نجد أفراد العائلة مشغولين، كلّ بجهاز الكمبيوتر أو الجوال، ما يمنعهم من تعلّم أبسط الأمور الاجتماعية، كالاستقبال الأمثل للضيف والزائر، وتالياً يقطعهم عن صلاتهم الاجتماعية القريبة منها والبعيدة، وذلك يلقي مسؤولية إلزامية على الأسرة أو العائلة بأن تربي أبناءها على العلاقات الاجتماعية واحترام الآخر وتحية الأهل، وتبعدهم عن الروح الفردية والأنانية التي لا تصنع مجتمعاً وتولّد إفرازات فردية لا تهتم إلّا بالمصلحة الشخصية ما يذيب المصلحة العامة والشأن الاجتماعي والوطني والإنساني ويهمل الخير والصالح العام.
وذلك يوجب على كل فرد من أفراد الأسرة أو العائلة العناية بأفراد الأسرة وبناء لبنات حجرية صلبة بالأسرة أو العائلة ما يتطلب من المؤسسات التربوية والاجتماعية الآنفة الذكر مساعدة الأهل في تربية أبنائهم على هذه المفاهيم، ما يستدعي أن تفتح المؤسسات أبوابها وتضع برامجها المدروسة والمساعدة للأهل لتهيئة الجو المناسب لتعيش الأجيال صداقاتها المتبادلة وتمارس نشاطاتها الموسيقية والرياضية والترفيهية، ولا ننسى أن أكثر الشباب واليافعين والأطفال يؤثرون ويتأثرون ببعضهم، و«ذلك حسب الفئات العمرية» أكثر مما يؤثر فيهم الموجهون والمعلمون والمدرسون والمرشدون مهما علت درجة تأهيلهم العلمية أو التربوية أو النفسية أو الاجتماعية ورغم كل ذلك فإن أولئكم الأطفال أو النشء من يافعين وشباب يحتاجون للرعاية البعيدة والقريبة ممن سبق ذكرهم من مرشدين وموجهين تربويين ومعلمين ومدرسين مع ضرورة المحافظة على حريتهم وعدم التدخل في شؤونهم الشخصية إذا لم تُصبها أي انحرافات أخلاقية أو تربوية، بذلك نكون قد وضعنا لبنات متينة في بناء مجتمعنا، بحيث نضمن المستقبل الواعد والزاهر لأولئك الأطفال والنشء من يافعين وشباب، وبالتالي نضمن مستقبل وطننا من خلال المساهمة في إعداد أجيال مؤهلة لقيادة المجتمع والنهوض بوطننا الغالي سورية ونشله من محنته التي خلفتها الحرب من دمار أخلاقي وتربوي وإيجاد شروخات مجتمعية وإفرازات من خلال بث الأفكار المتعصبة بين كل شرائح المجتمع وزرع ما يسمى «التدين» الأعمى البعيد عن كل أدبيات الأديان السماوية السمحاء، ومن جهة ثانية بزرع أوكار ترويج المخدرات والدعارة بين صفوف تلك الأجيال.
فالنهوض بالمجتمع العربي السوري من جديد ودرء الفتن المذهبية والطائفية وإيقاف عصابات المخدرات والدعارة الهادفة إلى تدمير مجتمعنا يحتاج جهداً دؤوباً ومشتركاً لإعداد أجيال محصنة ضد هذه الإفرازات والأمراض الاجتماعية الدخيلة والوافدة جديداً على مجتمعنا، وإن إعداد هذه الأجيال كفيل بمستقبل تربوي واجتماعي وعلمي واقتصادي وسياسي واحد لمجتمعنا المحتاج اليوم قبل الغد للجهود الدؤوبة والمخلصة والمخططة علمياً وتربوياً لإعداد أجيال الغد قادة المستقبل الواعد والمشرق للوطن والمجتمع والإنسانية جمعاء.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار