المعلّم فؤاد غازي

عُرِفَ فؤاد غازي “1955- 2011” باسم “المعلّم” باكراً، كان وقتها تلميذاً صغيراً يُغني لأصدقائه في المدرسة، بناءً على طلب الأستاذ والمُدرسين القادمين إلى ضيعته “فقرو” من مناطق أخرى في حماة، والذين بدورهم نشروا اسمه بأسلوبٍ بسيطٍ جداً، تحدثوا لِلناس في قُراهم عن صوتٍ جميل، ويبدو أن العامة في زمنٍ سابق، كانت أكثر حكمة في اختيار ما تسمعه، ولهذا كان على الأصوات المُميزة التدرّج قبل الوصول إلى الإذاعة والمسارح وحفلات المهرجانات، تكتسب وتستقي من المُلحنين والكتّاب وأصحاب الخبرة، إذا ما أرادت جمهوراً أكبر، تعرف أنه سينُصت جيداً وسيكتشف عيوب الصوت والأداء.

تمسّك غازي بالأغنية الشعبية المحلية، مُحافظاً على هويتها، وهو من القلائل جداً الذين فضّلوا الاشتغال بما يملكونه، تماماً كما فعل الراحلان الكبيران فهد بلان وصباح فخري، أضافوا جميعهم إلى الأصل الذي انطلقوا منه، في المُوشح والموال والعتابا، حتى أصبح كلٌّ منهم عَلَماً محلياً وعربياً، وعلى أن الأقدار شاءت أن يتوقف غازي عن الغناء مبكراً كما بدأ، ظلّت أغنياته “تعب المشوار”، “لزرعلك بستان ورود”، “ما ودعوني” حيّةً بيننا، تُطرب الملايين وتستثير فيهم رضا واستسلاماً تجاه ما لا يملكون، ولهذا ربما أحبه الناس، للصوت والمعنى والنغم الذي يشبههم.

يتفنن العابثون في الإساءة لإرث غازي، أحدهم يُغيّر لحناً والآخر يُبدل كلمة، وهناك من يبني مجداً مسروقاً من صوته الجبلي ورصيده المنسي، وعلى الساحة عشرات الأصوات المُقلِّدة والمُستهينة حتى اقترن “الشعبي” بالهابط والسهل، لا تعرف فيه مُغنياً من الثاني، معظمهم نسخٌ مُكررة، بطبقات صوتٍ مُنفرّة، لا فرق عندها بين الغناء والصراخ، طالما أن اللحن الحماسي يطغى على ما حوله، حتى يُهيأ لجيلٍ كامل بأن تراثنا ليس إلّا دبكة يتنافس فيها الشباب على خبط الأرض بأقدامهم، دونما فهمٍ حقيقي لمعناها.

في مثل هذا الشهر رحل غازي مُصطحباً معه وداعةً ورصانةً نعرفهما في أبناء الريف، مَن يُغنون إذا أفاقوا أو سهروا، إن جاءهم مولودٌ أو عاد لهم غائب، إذا أمطرت غيمة أو نضج رغيف خبز، حَمَلَ معه الفقر والغضب وعزة النفس إلى حيث وصل صوته ولا يزال.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار