مساحته تُقارب الـ«70%» من الثقافة..التشكيل نتاج عريق ومتنوّع ونُقّاد قلة

علي الرّاعي:

شيء ما، يُشبه المُفارقة في المشهد التشكيلي السوري، تتمثلُ بهذه الغزارة والعراقة في الحركة الفنية السورية، والتي هي كحركة مُعاصرة؛ ناهزت اليوم ما يُقارب المئة من السنين شهدت مختلف التوجهات والانعطافات التي شهدتها مثيلاتها في العالم, وإذا ما تأملنا الفنون السورية القديمة، فيُمكن أن نقرأ عن الأرجوان الفينيقي والحرف الأوغاريتي والمنحوتة التدمرية والأيقونة السورية في ملامح تشكيلية وفنية تعود لأكثر من 7000 سنة في عمق هذه الأرض العتيقة.. برغم كل ذلك بقي “التشكيل السوري” فناً نخبوياً ولم ينجُ بين فترة وأخرى من هجمات ظلامية كانت تقتحم ألوانه وتماثيله فتحرّمُ تشخيصاً هنا، وتُحطمُ رأسَ تمثالٍ هناك، ويُمكن الحديث مطولاً عن حروب ضارية على الأيقونة السورية على مدى سنين طويلة، أو محاولات حصر ملامح النتاج التشكيلي السوري في بعض القراءات النقدية؛ في الحروفية أو الرقش والزخرفة في أحيان أخرى.

كل أنواع الإبداع تقريباً؛ حظيت بجهدٍ نقدي بقي موازياً لتلك الإبداعات، فالمسرح على سبيل المثال له نُقّاده، وكذلك الأدب على تنوعه من شعر وقصة ورواية حظيّ بنُقّاده أيضاً، وحتى السينما والدراما التلفزيونية لها نُقّادها، واللافت أن تلك الأنواع من النقد أنشئت لأجلها كليات وأكاديميات تختص بتدريس أصولها ونظرياتها وغير ذلك.. وحدها الفنون الجميلة وعلى تنوعها؛ تبدو مقطوعة من شجرة النقد، برغم أن كلية الفنون الجميلة تأسست في جامعة دمشق منذ ستينيات القرن الماضي، أي أن سورية كانت من أوائل الدول في العالم العربي التي أنشأت كلية للفنون الجميلة – ربما بعد مصر مباشرةً- واليوم في مختلف الجامعات السورية في المحافظات ثمة كلية للفنون الجميلة، هذا غير المعاهد التي تُدرِّس هي الأخرى الكثير من الفنون الجميلة، وإذا ما أضفنا إلى كلية الفنون الجميلة، كلية هندسة العمارة، باعتبار العمارة أحد أشكال الفنون الجميلة، برغم كل ذلك لم تلحظ هذه الكليات والمعاهد إلى اليوم؛ تأسيس قسم للنقد أسوةً بقسم النقد المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية على سبيل المثال.. حتى إن اتحاد الفنانين التشكيليين، لم يلحظ جمعية نقد أسوةً بجمعية النقد في اتحاد الكتاب العرب إلّا مُتأخراً، ويبدو أنه تمّ إدراجها على عجل، وكأن الأمر أشبه بعملية في الخفاء، وهو ما يُفسر قبول أعضاء إذا ما وضعوا بغرابيل النقد ومعاييره؛ فإنهم ينزلون إلى الصفوف الدنيا.!!

وفي الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة أو في اتحاد الكتاب العرب؛ فإن أقل الكتب إصداراً هي الكتب التي تهتم بالفنون الجميلة، وأما عن الإعلام المتخصص في الفنون التشكيلية؛ فكانت ميزة هذا الإعلام عدم الانتظام في الصدور ومن ثم الإغلاق, هذا فيما يخص الصحف والدوريات الورقية، وبقيت البرامج التلفزيونية محصورة في حدود ضيقة جداً وتُبث في فترات لا ينتبه إليها أحد.. صحيحٌ أن المشهد التشكيلي السوري؛ شهد أكثر من إصدار دورية إعلامية تُعنى بالحراك الفني الجمالي في سورية، منها ما أصدرته جهات حكومية رسمية، أو شبه رسمية، إضافة لما كانت أصدرته جهات أهلية خاصة، لكنها كانت مشاريع سريعة التوقف ميزتها عدم الانتظام بالصدور، ويُضاف إلى ذلك المتابعات النقدية التي تقوم بها الصفحات الثقافية في الصحافة المحلية، وغير ذلك مما يُصدر من كتب متخصصة بالنقد التشكيلي.. فيما مجلة “الحياة التشكيلية”، التي احتفت منذ فترة بإصدارها العدد مئة، والتي بلغت من العمر 42 سنة، منذ صدورها للمرة الأولى خريف عام 1980، حاولت أن تسد بعضاً من هذه الفجوة، وهي التي صدرت شهرية ثم كل ثلاثة أشهر مرة، وأخيراً مرتين في السنة، وهذا ما جعل تأثيرها محدوداً.. من هنا يبذل الناقد اليوم جهوداً مُضنية ليستطيع تغطية مساحة الفن التشكيلي التي تشكل نحو (70%) من المشهد الثقافي العام في سورية، هذه المساحة الكبيرة تحتاج عدداً كبيراً من النقاد ليغطوها على ما يرى صديقنا الفنان والناقد التشكيلي غازي عانا، وأغلب الذين كتبوا في الفن التشكيلي هم فنانون تشكيليون، أو صحفيون يهتمون بالتشكيل، وقد أخذت المتابعة التشكيلية حيزاً من وقتهم وجهدهم..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار