نور بيوتنا المسروق..؟!

أذكر في سنوات الحرب السوداء الأولى وحتى قبلها حظيت الطاقات المتجددة بحملة دعم كبيرة أسوة باليوم، مؤتمرات ودراسات وأودعت في الأدراج لاحقاً مع إطلاق قروض للمواطنين. وقتها “دقّتني الحمية الصحفية” وقررت كتابة تحقيق عن الطاقات المتجددة في جريدتنا، لمعرفة خبايا هذا الملف الدسم المدعوم بالتغني بثرواتنا بهذا المجال، وهذه حقيقة قطعية، لكن أيضاً الواقع يشير إلى هدر كبير يظهر بصورة تقصير وتأخير غير مبرر باستثمارها، ندفع ثمنه غالياً هذه الأيام.

أسعفني استقصائي حينها بلقاء أحد المغتربين، الذي قرر الاستثمار في الطاقات المتجددة، وفعلاً أسس مشروعه التشاركي وأنتج كميات كبيرة من الألواح الشمسية حسب الاتفاق، لكن للأسف كانت العصي توضع بالعجلات وسط سيل من العراقيل المزعجة لمصالح شخصية، ما اضطره إلى “تشميع الخيط” وترك الجمل بما حمل والعودة من حيث أتى، وتالياً إيقاف خط إنتاج هذه الألواح لهذه الشركة التي كانت تصنع منتجاتها في مقر شركة “سيرونكس”، بخبرات محلية شابة، وبعد ذلك شهدنا تدفقاً غير مضبوط لمنتجات مستوردة بلا حسيب ولا رقيب.
هذه الحادثة عادت إلى ذاكرتي فوراً عند متابعة سير أعمال مؤتمر الطاقات المتجددة، الذي هو مؤتمر هام وإن كان الأولى توظيف أمواله بتحسين الأوضاع المعيشية المتأزمة وظروف الإنتاج، فهذه الطاقات لا تحتاج إلى مؤتمرات وورشات إذا كانت هناك نية لتشجيع المواطنين وقطاع الأعمال للتوجه نحوها، وإنما تتطلب دعم البيئة الاستثمارية مع تقديم قروض ميسرة بعيداً عن الروتين المقيت والفوائد المرتفعة، مع إبعاد الفاسدين وأصحاب المصالح عن إدارة ملف الطاقات المتجددة لحصاد نتائج اقتصادية مثمرة تضمن توفر الكهرباء عصب الحياة والصناعة بعد التردي الحالي وخاصة أن هذه الطاقات تعد سبيلنا للنجاة في ظل ارتفاع تكلفة إصلاح الشبكة الكهربائية.
الاستثمار المجدي في الطاقات المتجددة يتطلب إنتاج مستلزماتها محلياً، فما الفائدة إذا كان سيعتمد على منتجات رديئة مستوردة، وهذا ممكن عبر إصدار حزمة إجراءات داعمة تتيح للمستثمرين إنشاء معامل لإنتاج معداتها وإعادة خطوط إنتاج لشركات ذات باع طويل في هذا المجال الحيوي، فطالما بلدنا تمتلك كل الإمكانات والمؤهلات اللازمة لإنشاء صناعة رابحة في قطاع الطاقات المتجددة، يفترض استثمار هذه الفرصة والاعتماد على الذات والسير بخطوات واثقة نحو إنتاج الكهرباء عبر الطاقات المتجددة وكف شر بعض المستوردين الذين يسنّون أسنانهم لتحقيق أرباح كبيرة مجدداً عبر استلام استيراد مستلزمات هذه الطاقات من بابها إلى محرابها…وكي لا نقع في “الجورة” مرتين علينا الاتجاه نحو دعم هذه الصناعة محلياً مع ضبط أفعال المتاجرين بنور بيوتنا وجيوبنا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار