“إبرة وخيط ” سلسلة يعوزها الكثير من الدراما والإمتاع

يأخذنا المشهد البصري للفضاء المكاني الذي تجري فيه لوحة ” ترقيع ” من سلسلة ” إبرة وخيط” تأليف ” حازم سليمان” التي بدأت منصة “shoo 1+1 ” بعرضها، فنلاحق الممثل ” كفاح الخوص” الذي جسّد شخصية الخياط فيها وهو يتحرك فيه بين موجودات المكان سارداً لنا مونولوجه الداخلي – الخارجي في آن معاً لتصلنا دلالة اللوحة، لكن ومنذ الكلام الأول في المونولوج نتنبه إلى ما ارتكبه المخرج “محمد عبد العزيز” من خطأ فادح ينم عن عدم تنبهه لما جاء على لسان الخياط عندما تذمر من ترقيع البنطال الذي بين يديه والذي “رقّعه ” أكثر من أربع خمس مرات، ومع ذلك يقول له الزبون ” أجحش خياط بيرقعه” فيقول الخياط “سأرقعه حتى أرفع عني تهمة الجحشنة”. لتستنكر اللوحة ترقيع كل شيء (تاريخنا وحياتنا ومؤسساتنا وقوانيننا وقراراتنا…إلى آخر ما هنالك) يعرض الخياط استنكاره مخاطباً “المانيكانات” التي في صالة المشغل والتي تعطي عين المشاهدين أنها صالة مصمم أزياء وليست دكانة خياط يستقبل زبوناً اعتاد أن “يرقع” أو يرتي له بنطاله، فهذه المسألة لم ينتبه لها المخرج لأنه لا يمكن لصاحب صالة مشغل تصميم أزياء أن يقبل بتنفيذ هذا الطلب، فحوار الشخصية يتطلب فضاءً صغيراً يناسب الفعل، فأفسد المواءمة بين المكان وفعل صاحبه.! وما زاد الطين بلةً حين اختتام اللوحة تقول شخصية الخياط: ” نزّل هالشارة لشوف وإياك ثم إياك تكون مرقّعة)، وجملة ” نزلوا الشارة”، مكررة في شارة مسلسلين كوميدين “ست نجوم، وسبع نجوم” للمخرج هشام شربتجي. وكان حرياً بها ألّا تكون كذلك حتى تتواءم مع ما انتقدته اللوحة.!

مقالات وليست دراما
ولا تبدو اللوحة الثانية ( أغلبية ساحقة) أكثر توفيقاً إذ تم الحفاظ على شخصية الخياط والفضاء ذاته، لكن من دون بناء درامي مقنع لما ستقوله الشخصية، وهو يهش بمذبة الذباب ملاحقاً إياها في المشغل ناطقاً بالكلام من دون أي مسوغ درامي. فاللوحة الأولى استوفت سبب انطلاق الشخصية بالبوح وهي الطريقة الدرامية ذاتها التي يتبعها كتّاب مسرح “المونودراما”، إذ لا بدّ من مسألة ضاغطة على الشخصية تدفعها للبوح، فالزبون الذي ضغط عليه بضرورة (ترقيع ) البنطال كان وراء ما باح به من موقف، لكن في هذه اللوحة لم يتبدَّ لنا ذلك، ففي اللوحة الأولى ثمة صراع نشأ بين ما يعتقده الخياط وما آل إليه الوطن والمؤسسات وطريقة التفكير، إلاّ أن هذا لم يتوافر في اللوحة الثانية.
وبالعموم هما لوحتان لا تناسبان حتى عملاً إذاعياً فلا وجود للدراما ( أي الفعل بأي صيغة) داخلي أم خارجي، ومن لا يقتنع فليعد متابعتها بالصوت فقط ليكتشف صحة كلامنا، فحركة الممثل في اللوحتين لم تغن اللوحة، وهذا ضعف في البناء الدرامي لهما، ولا يمكن أن يعوضه أي جهد للممثل الخوص ولا إرشادات المخرج أيضاً، فهما أقرب للمقالات منها للوحات دراما، وهذا يتأكد لأي مشاهد فيما لو ضغط على زر التشغيل ولم ينظر للشاشة، استمع فقط لصوت الممثل الخوص، فلن يتغيّر أي شي، بمعنى آخر؛ إن “السينوغرافيا، والميزانسين” لا تأثير لهما ولا فاعلية في اللوحة.!
خيبة
نختم بالإشارة إلى تقديرنا لمسعى هذه السلسلة التي جاء بتعريفها على صفحة المنصة بأنها ” سلسلة درامية قصيرة، تنتمي إلى الكوميديا السوداء، تسلط الضوء على الهمّ السوري والعربي من زواياه المختلفة، من خلال الاشتباك مع الكثير من التفاصيل المسكوت عنها، في مسار حياتنا اليومية، وعيشنا، وعلاقتنا مع الواقع، والذات، والآخر، والتاريخ، والسياسة، لعلها تكون منطلقاً وحافزاً لنفكر ملياً في هذه المساحة التي نسميها وطناً، على أمل وحلم أن تصير وطناً للجميع” لكن هذا المسعى أخفق درامياً وفنياً فلعل الحلقات القادمة تعوّض لنا خيبتنا فيها.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار