معاتبة إحصائية!

تثبت الأيام أننا لا نجيد التعامل مع الرقم الإحصائي ولا نستفيد منه في حياتنا اليومية، ناهيك بعمليات اتخاذ القرار التي غالباً ما تبنى على معطيات يمكن وصفها بالاعتباطية أو التقديرية، ولدى التطبيق نجد أنفسنا أمام نتائج غير متوقعة وحتى معاكسة لما تمنينا عند اتخاذ القرار.
إهمال الرقم الإحصائي يبدأ من دراستنا، فأغلب طلاب جامعاتنا والمستويات الأكاديمية العليا يهابون مادة الإحصاء ويصفونها بالمادة الصعبة الجلفة والمخيفة، ويلجأ الكثيرون لمكاتب خاصة أو لأشخاص لإتمام دراساتهم العملية لعدم قدرتهم على التعامل مع البيانات واستخلاص النتائج.
التخبط في الكثير من قراراتنا وآليات عملنا يعود السبب الأكبر منه إلى عدم الاعتماد على الرقم الإحصائي المستخلص بأسلوب علمي، وفي حال وجوده لا نتعامل معه بالموضوعية والاحترافية اللازمتين وبالتالي يوصف أسلوب عملنا بالتجريب الذي ستكون له آثار سلبية على المتلقين، تسبب لهم الإحباط وعدم الاهتمام والتشكيك في بنية أي قرار..
مشاكلنا الإحصائية كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هنا ففي قطاع الزراعة كثيراً ما نسمع أن كميات الإنتاج أكبر من حاجات السوق وبالتالي يتضرر المنتجون بانخفاض الأسعار، أو بالعكس قد يكون الإنتاج أقل من احتياجاتنا ما يضر بالمستهلكين ارتفاع الأسعار، وفي مجال النقل نجد اختناقات لعدم قدرة وسائط النقل على تلبية احتياجات منطقة معينة مقابل تخمة في مناطق أخرى، وحتى في التعليم وإنتاج وتوزيع المواد الأساسية، وفي جباية الرسوم والضرائب، والأمور الصحية، وفي مجال الاستثمار إذ إن قرارات المستثمرين في الدخول إلى أسواق الدول تبنى على ما هو موجود من أرقام دقيقة وهذا ما نفتقده.
في الكثير من دول العالم بات الرقم الإحصائي دقيقاً إلى حدٍّ يطابق الواقع، وذلك لما اتخذ من إجراءات لإنشاء البنى التحتية اللازمة لاستثماره وفي كل جهة عامة أو خاصة نجد على موقعها الإلكتروني باباً خاصاً بالإحصاءات والأرقام وتطورها مقارنةً مع أرقام السنوات السابقة وأرقام قطاع عملها، هذا إضافة إلى استخدام أساليب نمذجة متطورة تقوم على معادلات تساعد متخذي القرارات على اتخاذ القرار الأنسب والأقرب إلى الواقع.
أمام هذا كله نحن مطالبون بتعزيز ثقافة الرقم الإحصائي بدءاً من دراستنا مروراً بعملنا وصولاً إلى قراراتنا وهذا كله يجب أن يبنى على أسس صحيحة بتفعيل دور المكتب المركزي للإحصاء والاستعانة بجهاتنا الأكاديمية وعدم إخفاء البيانات، لأن ضرر ذلك أكبر من وجودها بين محتاجيها، والاستفادة من البرامج الإحصائية المتطورة في تحليل البيانات وبعدها اتخاذ القرار.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار