حلب مدينة “الأمبيرات ” أعادت إحياء “الدومري ” المندثرة بحلة جديدة
غاب رجل الضوء وسط ظلام الليل الحالك مع أفول عهد القناديل في القرن المنصرم، إنه وهج المصباح في عتمة الحارات العتيقة والوديعة، حين كان النوم باكراً سمة مجتمعاتنا قبل أن تزحف الحضارة لتقلب الدنيا رأساً على عقب، اندثرت معها مهنته مع وصول التيار الكهربائي إلى البيوت وشوارع المدن.
حلة جديدة
أطلق عليه أجدادنا «الدومري», المهنة التي اندثرت بلا رجعة إلا أنها عادت للتو مع انقطاع الكهرباء بشكل شبه كلي في مدينة «الأمبيرات» حلب تلك المدينة الوحيدة التي عاش أهلها على وقع ضجيج آلات ومولدات الطاقة, وما فتئوا يعانون تبعات تدمير أكثر المنشآت الحيوية «محطة الطاقة الكهربائية» في الريف الشرقي، بدير حافر إثر الحرب الإرهابية على سورية.
عقد من الزمن عاد فيه «الدومري» بحلّة جديدة، تعددت إثرها التسميات فمنهم من يطلق عليه: (صبي الأمبير) أو (معلم الأمبير)، (كهربجي الأمبيرات) لكن مع تعدد التسميات واختلافها تبقى مهنته إحدى أبرز المهن التي أحدثتها الحرب، لتلبي متطلبات الناس وحاجاتهم لها، لكنه يمثل دومري الحي (الحارة) فهو الموظف أو المهني المكلّف بتشغيل مولدات المدينة المتناثرة بكثرة على جنبات الشوارع.
وتتزايد المعاناة التي يتكبدها أهالي المدينة من نفقات في كل أسبوع, والتي يصل قيمة الاشتراك بحده الوسطي إلى (10) آلاف ليرة مقابل حصوله على أمبير واحد، قد ترتفع بسبب ذرائع يعزوها صاحب المولدة إلى نقص المازوت وشراء هذه المادة من السوق السوداء، وبعيداً عما يثار من جدل حول الأرباح الطائلة التي يجنيها صاحب المولدة الكهربائية بشقيها المنزلي والصناعي، يبقى (دومري الأمبير) يعمل بكدٍ في وظيفته إلا أن قلة من أهالي المدينة يعلمون أن نسبة كبيرة منهم يعانون الجور من قبل أرباب العمل, وقلّة أيضاً منهم من يحصل على حقوقه وسط غلاء المعيشة المتزايد.
لا تمثيل نقابياً!
في حين تشرف على مراقبة عمل المولدات مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ويلفت النظر مديرها في حلب أحمد سنكري إلى متابعة متواصلة من الدوريات على عمل المولدات, وهي تستقبل أي شكوى وتتحقق منها وتتخذ بحق المخالفة منها الإجراءات القانونية الرادعة، لكن الشريحة التي نتحدث عنها وهم عمال الأمبير في المدينة ليس لديهم أي تمثيل نقابي، ووفق حديث رئيس اتحاد الحرفيين في حلب محمد حسام حلاق لـ«تشرين» أشار إلى هذه النقطة بعد سؤالنا عن إدراج هذه الشريحة من الحرفيين في التنظيم النقابي, وأردف: عمال المولدات غير منتسبين للنقابة ومن دواعي سرورنا أن يقبل هؤلاء للانتساب منوهاً بوجود جمعية خاصة لحرفيي الكهرباء.
(فرق في الأجور)
في المقابل تتفاوت طبيعة عمل (دومري الأمبير) والوظائف الملقاة على كاهله, وكذلك وجود فروق في الأجور، ويقول الشاب ميدو: إنه يتقاضى أسبوعياً راتباً يصل إلى 65 الف ليرة, وهذا الراتب يجده جيداً مقارنة بأقرانه في العمل حيث يوجد عمال لمولدات يتقاضون 35 ألف ليرة أسبوعياً، تلعب مزاجية صاحب العمل وكثرة العمال واستغلال حاجة العمال للشغل دوراً في تدني الأجور.
وفي هذا السياق وحسبما أعلن رئيس غرفة صناعة حلب فارس الشهابي حول إنفاق أهالي المدينة شهرياً قرابة (35) مليار ليرة شهرياً يدفعونها لـ(1300) مولدة أمبير، ومع تلك الأرباح الطائلة لهذه المولدات التي تحتكر توليد الطاقة لصالحها يضنّ أرباب هذه المولدات على «الشغيلة» بل يكلفونهم بأعمال زائدة، يعتقد أبو بركات الذي التحق بعمل جديد بمولدة ثانية: إننا نتكبد أعمالاً تثقل كاهلنا فعلينا الالتزام بمواعيد التشغيل والإغلاق وتصليح الأعطال، وتحصيل قيمة الأمبير من المشتركين براتب لا يتجاوز 150 الف ليرة شهرياً، وحين تعترض يقول رب العمل: يمكنك أن تترك العمل! متناسياً الخدمات التي نقدمها”.
وهكذا عاد(الدومري) الجديد يعمل في شوارع المدينة الفارق أنه يشتغل ليل نهار، في ظروف صعبة، وبأجور يتحكم بها ربّ العمل، من دون أن ننسى أن أهالي المدينة ضاقوا ذرعاً بجشع أصحاب المولدات وإفلاتهم من عقال الرقابة، والتحكم بأسعار الاشتراك ووضعها على أهواء تناسب جيوبهم من دون أن يقنعوا بالربح اليسير ويرضوا به.
ت صهيب عمراية