في كلية الفنون… تشكيليون يناقشون تأثير الصّورة وكيفية صناعة الوعي؟
ضمن فعاليات الموسم الرّابع من “أيام الفن التّشكيلي السّوري” أقيمت في كلية الفنون الجميلة ندوة بعنوان: “الصّورة وصناعة الوعي”، شارك فيها كلّ من التشكيليين الأستاذ سعد القاسم والدكتور عبد النّاصر ونوس.
وخلالها قدّم القاسم أمثلةً عن نشأة الصّورة عبر مراحل مختلفة في تاريخ الفن التّشكيلي العالمي منذ ظهور فنّ الكهف وصولاً إلى يومنا هذا، يقول: منحوتة العيون التي اختارها الدّكتور عبد النّاصر لتكون شعار أيّام الفنّ التّشكيلي تشبه قناعات موجودة في أيّامنا هذه، وهي أنّ العين تصيب بالشّر، أي بدأت تتشكل قناعات بأنّ العين هي بوابة المعرفة، لذلك كان الرّأس هو أكبر شيء في جسم الإنسان في هذه الأعمال، مضيفاً: أورنينا مغنية وراقصة المعبد في ماري كانت تشير إلى مكانة المرأة لدى السّومريين وهو شعار مهرجان الأغنية السّورية وموجود في المتحف الوطني وكان هناك جدل : هل تمسك بيدها قيثارةً أم رقّاً، وكان هذا التّمثال يقدّم كنذرٍ للمعبد ويكتب على كتفه اسم صاحبه، وهذا ما دفع للشّك في المنحوتات الرّومانية التي لم تكن تحمل اسماً صريحاً.
وتحدّث القاسم عن أشكال ومنحوتات أصبحت رمزاً لأفكار وقيم عبر التّاريخ، يقول: فينوس أصبحت رمزاً للجمال ولدينا نسخة في المتحف الوطني، وهناك تمثال يظنّ البعض أنّه وجه الملكة زنوبيا، لكن في الحقيقة لزنوبيا صورة وحيدة هي على قطعة نقود معدنية والتّمثال الشّائع أنجزته فنانة غربية لتظهر زنوبيا ضعيفة وخاسرة لا منتصرة وهو لسيدة تدمرية أنيقة وجميلة، كذلك تمثال “أسد اللات” وكان موجوداً في تدمر ودُمّر مرتين، الأولى أيّام الرّومانيين، والثّانية على يد إرهابيي “داعش”، وتمّ ترميمه من الفريق ذاته وهو موجود اليوم في المتحف الوطني أيضاً، مبيّناً: لوحة الجوكندا لدافنشي تعدّ الأكثر أهميةً في صناعة الصّورة البصرية، هي ليست معجزةً بالمعنى الفنّي وهناك ثلاث نسخ منها لكن أهميتها تنبع من كونها نقلة بين الكلاسيكية والتّيارات التي أتت بعدها أي الخلفية مشهد طبيعي وهذا كان غير مألوف في الفنّ الكلاسيكي.
وتطرّق قاسم إلى المبالغة في بعض اللوحات التي ساهمت في تشويه الحقائق أيضاً، يقول: قدّم نابليون بونابرت في اللوحات على أنّه منتصر دائم، بينما في الحقيقة هزائمه أكثر من انتصاراته، مضيفاً: نحن ليس لدينا صورة شكلت لدينا الوعي، أقدم لوحة كانت لعنترة وأبي زيد الهلالي وهي مستقاة من أساطير شعبية.
بدوره، تحدّث الدّكتور عبد النّاصر ونوس حول الصّورة التّشكيلية كجزء من الذّاكرة، بالقول: الصّورة هي فكرة في ذهن من يصنعها، أي هي مشروع تبنى عليه شعوب وتُهدَم، والثّقافة الواردة هي التي تقلّ فيها الصّناعة الثّقافية الحقيقية، الجانب التّقني تطوّر وانعكس على تطوّر الصّورة وأدواتها وصارت ملازمة لكلّ واحد فينا، على الرّغم من أنّها ليست صوراً “بروفشنال” مثل الكاميرا لدرجة أنّ البعض يلتقط مئة صورة في اليوم، مضيفاً: المجتمع المتلقي موجود في أماكن وأوقات الأزمات والحراك الاقتصادي الفاشل وهذا كلّه يطفئ الجوانب الجمالية والرّوحية ويحوّلها إلى شيء فاشل.
وفي الأثر والتّأثير بالإدراك والسّيطرة على المتلقي، يقول ونوس: خلال سنوات الأزمة كانت هناك مقاطع فيديو مصورة بطريقة بسيطة ومن دون اسم، وكان لهذا أثره السّلبي في المجتمعات الأقلّ اطّلاعاً ورخاءً، في المقابل تمّ تطوير الجوانب الإدراكية في المجتمعات التي تتمتع برخاء اقتصادي، على سبيل المثال هناك مهرجان “استوكهولم للسوشيال ميديا” والذي يشترط فقط التّصوير بالهواتف النّقالة ويقدّم جوائز للفائزين أيضاً.
وينبّه ونوس إلى ضرورة البحث عن الشّباب الذي يتعامل مع الأدوات والتّقنيات المستخدمة حالياً وتبني تجاربه من أجل السيطرة على هذه الشريحة والحصول على المكسب الثّقافي والمادي في مجتمع لا يمكن طرح أيديولوجيات ثقافية، فالتّأثير لدينا مفقود والحالة التّفاعلية غير موجودة أيضاً، ونحن لا نوجّه اللوم إلى أي جهة في ظل غياب إستراتيجية واضحة.