أجور تشليف…
منذ أيام رافقت بالمصادفة صديقاً إلى المنطقة الصناعية كان يقصدها لتركيب “طراشات” لسيارته، وهذه القطعة من البلاستيك تركب خلف العجلات للحدّ من تلطخ جسم السيارة بالمياه الموحلة أثناء السير في الطرقات شتاءً.
الرجل فتل على أكثر من “صواج” لكن أحداً لم يتجاوب مع طلبه بحجة الانشغال بسيارات أخرى، لكن النجدة جاءته من قريب له يعمل بمحل لبيع قطع السيارات.. حيث بادر بالتوسط له عند أحد “الصواجين” الذي قبل بعد تودد القيام بالعمل.
صف صاحبنا السيارة أمام محل “الصواج” وإذا بفتى لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره يُقبل لأداء المهمة، ولكوني أول مرة أعرف ماهية “الطراشات” شدني الفضول لمشاهدة العملية التي اعتقدت أنها معقدة لكون أكثر من مهني اعتذر عن أدائها، وإذا بالفتى يدكك القطعة البلاستيكية ويكرب اثنين من البراغي على الصاج المعدني من وراء العجل الخلفي ثم انتقل للجهة المقابلة وعمل الشيء نفسه بوقت لم يتجاوز عشر دقائق، وعند سؤاله عن الأجر قال: أربعة آلاف ليرة مع المراعاة بدلاً من ستة كرامة للوسيط.. دفع الرجل المبلغ وانصرفنا.
بعد المسير لم يمر الأمر على كلينا ببساطة لملاحظتنا أن الأجر غير منطقي أبداً مقابل عمل لم يتطلب سوى حمل مفك وبرم البراغي التي كان اشتراها وأحضرها صاحب السيارة مع الطراشات قبل قدومه، وسألت من أرافقه: لماذا لم تعترض على الأجر، فقال: لا يمكنني مجادلة فتى بهذه السن لأنه قد ينفعل ويحتد ويتلفظ بكلمات لا أستسيغها بحقي.
لم يقف الحديث عند أجر “الصواج” بل توسع باستعراض حالات استغلال مشابهة تحصل من مهنيين كُثر سواء بمجال إصلاح السيارات أو بغيره من المجالات، حيث بات معظمهم يضع أجوره “شلف” من دون أي ضوابط أو معايير، وعلى سبيل المثال تأتي بمهني لتوليف “رسيفر” وضبط إبرة صحن اللاقط فيأخذ على الأقل عشرة آلاف عن عمل لا يستغرق كأقصى حد نصف ساعة، وكذلك إن أتيت بكهربائي لتركيب “بريز” أو بمهني تمديدات صحية لتبديل صنبور ماء تجده يتقاضى خمسة آلاف بوقت لا يتجاوز ربع ساعة.
لا شك أن المطلوب إزاء حالة الفلتان الحاصلة هو وضع محددات لأجور المهنيين والالتزام بها عن الأعمال التي يؤدونها سواءً في أعمال إصلاح وصيانة السيارات أو البناء والإكساء والزراعة وحتى الخياطة وتعقيب المعاملات وغيرها، بحيث تكون منصفة لمقدم الخدمة والمستفيد منها في آنٍ معاً.