معدل النمو والناتج الاقتصادي والخريطة العالمية لسنة 2022

تعدّ القوة الاقتصادية الأساس المادي لكل أنواع القوى الأخرى مهما اختلفت أنواعها وتوجهاتها من سياسية وعسكرية ومالية وأمنية…إلخ، وهي الأساس لتطوير البنية المجتمعية وتحقيق التنمية الدائمة التي تولدّ عوامل قوتها من ذاتها وبذاتها ولذاتها ، ومن خلالها تستطيع الدولة القوية أن تتصدى لكل المشاكل والأزمات التي يمكن أن يكون منشؤها داخلياً أم خارجياً، ومعروف عالمياً أن القوة الاقتصادية تترسخ من خلال زيادة معدل النمو الاقتصادي السنوي، وهذا المؤشر يعبرّ عن النسبة المئويّة للتغيّر في قيمة جميع السلع والخدمات المنتجة في دولة ما خلال فترة زمنية محددة مقارنة بالفترة السابقة، ويستخدم مُعدَّل النموّ الاقتصادي لقياس التفاوت بين الدول من ناحية التقدم، وهذا المؤشر هو الأساس في تغير قيمة الناتج المحلي الإجمالي، ويعبر الناتج الإجمالي عن قيمة جميع السلع والخدمات النهائية المنتجة داخل دولة ما خلال فترة زمنية محددة وعادة تكون سنة، وهو يعكس الحالة الاقتصادية للدولة عبر تقدير حجم الاقتصاد ومعدل النمو لهذه الدولة، ومن خلال الاطلاع على دراسة التاريخ الاقتصادي ووقائعه وتحولاته وجدنا أن «دوام الحال من المحال» كما يقال، ويمكن أن نتلمس هذا بشكل واضح من خلال قراءة خريطة القوى الاقتصادية العالمية لسنة 2020، وما تجسدّ منها من سنة /2021/ حتى الآن، حيث نرى وقائع يمكن أن نبني عليها تنبؤات اقتصادية لسنة /2022/ وما يليها، ومن أهمها تلمس معالم انتهاء السيطرة الأطلسية الغربية الأمريكية والأوروبية على عجلة الاقتصاد العالمي، وانتقال مراكز القوة من الغرب إلى الشرق وفي كثير من القطاعات الاقتصادية, ولاسيما القطاعات الإنتاجية، ويتوج هذا بتحالفات جديدة تحلّ محلّ التحالفات القديمة، ونذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر: «منظمة شنغهاي- الاتحاد الأوراسي- مشروع الحزام والطريق- رابطة الدول المستقلة» وغيرها، ويترافق هذا مع توسع أفقي على الساحة العالمية, وتوسع عمودي في مجال اكتشافات جديدة وزيادة الإنتاجية ومستوى التكامل الاقتصادي الداخلي والخارجي وزيادة القوة الدفاعية والأمنية وتعزيز المرتكزات الثقافية وزيادة الصادرات وترشيد المستوردات…إلخ، وكمثال على ذلك كانت قوة الاقتصاد الأمريكي بين الحربين العالميتين الأولى تعادل أكثر من /50%/ من قوة الاقتصاد العالمي في تلك الفترة، وكان يعادل قوة الدول العشر التي تأتي بعده أي الدول الأوروبية ومعها الاتحاد السوفييتي والصين، ولكن في سنة /2020/ فإن القوة الأمريكية الاقتصادية تراجعت نسبياً ولم تتجاوز /19%/ من الاقتصاد العالمي، كما كانت دول الاتحاد الأوروبي مثالاً يحتذى من قبل الكثير من راسمي السياسات الاقتصادية في الدول النامية، لكن في السنوات العشر الأخيرة بدأنا نشهد تغيرات كبيرة، ومنها مثلاً أن الصين التي كان ينظر إليها على أنها ليست أكثر من سوق استهلاكية للدول الغربية بسبب عدد سكانها المرتفع، ولكن مع تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي بدأت الصين تسير نحو الأمام خطوة خطوة, وأزاحت كلاً من «ألمانيا», ومن ثم «اليابان» وبقية الدول الغربية من أمامها، وحالياً يقدر ناتجها الإجمالي بأكثر من /13/ تريليون دولار, واحتلت المرتبة الثانية في الترتيب العالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن الكثير من الاقتصاديين العالميين يعدونها في الدرجة الأولى إذا تم قياس ناتجها الإجمالي على أساس القوة الشرائية، وهذا المعيار هو الأدق عند حساب قيمة الناتج الإجمالي، ويشكل الاقتصاد الصيني بحدود /16%/ من الناتج العالمي، وسيستمر في التطور لأن معدل النمو الاقتصادي لسنة /2020/ هو بحدود /7%/ أي /3/ أضعاف معدل النمو الاقتصادي الأمريكي بحدود /2%/ ؟، كما يعدّ الاقتصاد الصيني الأسرع نمواً في القرن الواحد والعشرين, وتجاوز الاقتصاد الياباني والألماني بنحو /3/ أضعاف تقريباً، ولم يتوقف الموضوع على الصين بل استطاعت الهند أن تزيح كلاً من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، كما خرجت إيطاليا من الدول السبع الصناعية لسنة /2020/، وبدأت البرازيل وروسيا تؤكدان قوتهما على الساحة الاقتصادية العالمية، وبدأ العالم يعترف بظهور قوى اقتصادية جديدة، قد تنجم عنها إعادة ترتيب الدول السبع الصناعية، فلم تعد كما كانت: «الولايات المتحدة الأمريكية- ألمانيا – فرنسا- وبريطانيا- اليابان- إيطاليا – وكندا»، بل أصبحت في سنة /2021/ هي: «أمريكا- الصين- اليابان- ألمانيا- بريطانيا – الهند – فرنسا», فهل سنشهد تغيرات كبيرة من سنة /2022/, وتحل البرازيل محل إحدى الدول الغربية؟ فلم يعد العالم كما كان سابقاً، وهذا يؤكد صحة القاعدة الاقتصادية التي تقول: « من لا يتقدم يتقادم ويتأخر», برأينا كل الاحتمالات مفتوحة على المستقبل.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل ميدان حاكم سيلزم «إسرائيل» بالتفاوض على قاعدة «لبنان هنا ليبقى».. بوريل في ‏بيروت بمهمة أوروبية أم إسرائيلية؟ إنجاز طبي مذهل.. عملية زرع رئتين بتقنية الروبوت مركز المصالحة الروسي يُقدم مساعدات طبيّة وصحيّة لمصلحة المركز الصحي في حطلة القوات الروسية تحسن تموضعها على عدة محاور.. وبيسكوف: المواجهة الحالية يثيرها الغرب أسعار الخضار تحلّق في اللاذقية.. ومواطنون يطالبون بعودة الأسواق الشعبية قبرص.. الوجهة القادمة لمطامع «إسرائيل»