اليوم العالمي لدعم ضحايا الإرهاب.. من أين يبدأ الدعم وكيف؟

كيف نكافح الإرهاب إذا لم يكن هناك إجماع دولي على تعريف واحد محدد وواضح، وتالياً كيف يُمكن دعم ضحايا الإرهاب إذا لم يكن بإمكان المجتمع الدولي مكافحة الإرهاب، أي مكافحة التهديد الذي هم ضحاياه.. علماً أن كل الحروب (الأميركية/ الدولية) التي شُنت وتشن -أقله في العقود الثلاثة الماضية- تشن باسم هؤلاء الضحايا وتزعم الدفاع عنهم وعن مستقبل آمن وحياة كريمة لهم.. والنتيجة: الإرهاب تغول وأعداد ضحاياه ارتفعت إلى مستويات مخيفة.. حتى الدول لم تنجُ.

مع ذلك، الكارثة على المدى البعيد ليست هنا، بل في أن مسألة «تعريف الإرهاب» لم تعد مطروحة للنقاش، وهذا طبيعي كون الحروب الأميركية، وما نشرته من إرهاب من كل صنف ولون حول العالم، جعلت من «تعريف الإرهاب» أمراً مستحيلاً، لأن أي تعريف لا بد وأن يخضع للمصالح الأميركية.. والأخيرة لا تقوم إلا على الحروب والقتل والتدمير، وهذا قمة الإرهاب، لذلك لم تعد بعض الدول تطرح مسألة تعريف الإرهاب، لوصولها إلى قناعة أنه لا طائل من ذلك، وتعمد إلى حماية سيادتها ومواطنيها من «المصالح الأميركية» بقوانين داخلية ومعاهدات واتفاقات إقليمية وتكتلات اقتصادية.. إلخ.

أما الأمم المتحدة فلم تجد بُداً من الالتفاف على المسألة برمتها من أجل ألا تضيع حقوق ضحايا الإرهاب، ومن أجل أن تبقى قضيتهم حيّة وفي صلب كل نقاش دولي/ أممي، وعليه لجأت إلى اعتماد يوم عالمي لهم، منذ عام 2017 بموجب قراراها (165/72 ) على أن يكون في يوم 21 آب من كل عام.

– في 21 آب (الجاري) أي قبل أيام قليلة، بات عمر القرار الأممي السالف الذكر أربع سنوات.. هي سنوات قليلة في العدد، فهل كانت قليلة في الفعل أيضاً، بمعنى ما الذي تحقق من دعم لضحايا الإرهاب؟

الجواب يأتي سريعاً: لا شيء.. لماذا؟

لأن هذا القرار حاله كحال مسألة تعريف الإرهاب، مُرتبط بأمرين: الأول بمن يُشعل الحروب ويَشُن الهجمات، أي بالولايات المتحدة التي تخلف وراءها عشرات آلاف الضحايا بين قتلى ومصابين وأصحاب عاهات دائمة، ويتامى وأرامل ومشردين، وموجات لجوء وفقر وجوع، هذا عدا عن معتقلات الأسر والتعذيب.. والقائمة تطول وتطول.

والأمر الثاني مرتبط بتعريف ضحايا الإرهاب.. مَنْ هم، وكيف تتم مساعدتهم، ومِنْ قبل مَنْ؟.. وتالياً من يستحق منهم المساعدة والدعم، ومن لا يستحق؟

هذا التعريف -كما تعريف الإرهاب- تخضعه الولايات المتحدة لمصالحها، ليصبح لدينا بدل الكارثة، كارثتين، لماذا؟.. لأن الولايات المتحدة في حروبها وهجماتها تستهدف هؤلاء الضحايا أنفسهم والذين هم في الوقت نفسه ضحايا حروب وهجمات سابقة لها، أو ضحايا سياسات الحصار الاقتصادي الذي تمارسه ضد الدول التي لا تخضع لمصالحها.. وحتى عندما تنهي حربها على بلد ما، أو تقرر الانسحاب منه فهي تدعم الجهة أو السلطة التي تواصل القيام بما كانت تقوم هي به بحق الضحايا، وبما يمنع عنهم كل مساعدة ودعم، لأنهم من وجهة نظرها (أي وفق مصالحها) إرهابيون لا بد من مكافحتهم.. وهكذا يصبح هؤلاء الضحايا مستهدفين على الدوام.. وعندما نتحدث عن ضحايا فهذا يعني أننا نتحدث عن دول أيضاً تستهدفها الولايات المتحدة بحروبها الإرهابية، العسكرية والاقتصادية.. لنصل في النتيجة النهائية إلى أن الإرهاب مستمر، والضحايا ليس لهم من الدعم والمساعدة إلا رحمة السماء.. وهذا ليس فقط بسبب عدم وجود تعريف للإرهاب أو تعريف لضحايا الإرهاب، بل بسبب استمرار الأطماع ونزعات السيطرة والتسلط –الأميركية بصورة خاصة- والتي لا تتحقق إلا بالحروب والقتل والتدمير.

ورغم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة في سبيل تغيير هذا الحال إلا أنه لم يتغير، ليتحول الضحايا إلى مجرد أرقام في تقارير منظماتها والوكالات المرتبطة بها.. وللمنطقة العربية نصيب كبير من هذه التقارير.

*مفارقتان

ولمناسبة إحياء اليوم العالمي لضحايا الإرهاب لا بد وأن نلاحظ مفارقتين ما زلنا نشهدهما في كل عام:

الأولى أنه مع حلول هذا اليوم، تعتمد وسائل الإعلام على اختلافها الديباجة نفسها، أي: «العالم يحيي اليوم.. اليوم العالمي لذكرى ضحايا الإرهاب» والذين ما زالوا «يكافحون لإسماع صوتهم، ليجدوا من يلبي احتياجاتهم، ويؤيد حقوقهم. وغالباً ما يحسّون بالنسيان والإهمال بمجرد تلاشي التأثر الفوري للهجمات الإرهابية، الأمر الذي يترتب عليه عواقب وخيمة عليهم».

هذه ليست ديباجة «ذلك العالم» وإنما ديباجة الأمم المتحدة في بياناتها المتتالية في كل ذكرى.. ذلك «العالم» غير موجود إلا في بيانات الأمم المتحدة، إذ إن وسائل الإعلام لا تذكر أسماء دول أو منظمات أو جهات، هي تذكر فقط الأمم المتحدة وتقرأ بياناتها.. إذاً أين هو ذلك العالم الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام وتقول إنه يحيي اليوم العالمي لذكرى ضحايا الإرهاب؟

صحيح أن العالم ممثل بالأمم المتحدة، لكننا اعتدنا دائماً في كل الأيام والأعياد والمناسبات الأممية/ العالمية أن نشهد احتفالات ونشاطات وتحركات على مستوى الدول، وليس فقط بيانات أممية تصدر على عجل.

وحتى لا نُتهم بالتجني والتهجم، فإننا نعيد القارئ إلى ما ذكر في بداية المقال حول أن أغلب الدول تجد أن لا طائل مما سبق، ما دامت الحروب مستمرة، وما دام من يُشعلها يرفض الاعتراف بمسؤوليته عن تغول الإرهاب وتوحشه، وبالتالي لا يعترف بمسؤوليته عن مقتل وتشريد آلاف الناس.

المفارقة الثانية، أننا لا نجد من يحيي اليوم العالمي لضحايا الإرهاب (مع الأمم المتحدة) سوى الولايات المتحدة نفسها، ليس من باب الاعتراف بالمسؤولية والتكفير عن الذنب، بل من باب أنها ضحية (دائمة) ولا بد للعالم أن يتضامن معها (دائماً) ويساعدها!

لنعيد التذكير بما قالته الولايات المتحدة في بيان لوزير خارجيتها أنتوني بلينكن يوم السبت الماضي لمناسبة اليوم العالمي لضحايا الإرهاب.

بلينكن يقول: “مع اقتراب الذكرى الـ20 لهجمات 11 أيلول 2001 نحيي ذكرى من فقدوا أرواحهم في ذلك اليوم الرهيب، ونكرم جميع ضحايا بلاء الإرهاب العالمي في الداخل والخارج”.

ويضيف: “الولايات المتحدة لديها التزام وإصرار على محاسبة مرتكبي الجرائم الإرهابية.”ويتابع بلينكن:” على مدى السنوات العشرين الماضية، خطت الولايات المتحدة وشركاؤها الدوليون خطوات كبيرة في اكتشاف الهجمات الإرهابية والتصدي لها”.

إذاً، ما زالت الولايات المتحدة تطالب العالم بمساندة حروبها والمشاركة فيها، وما زالت تذكر هذا العالم بهجمات 11 أيلول باعتبارها أم الإرهاب، علماً أنه وقياساً لما سببته الولايات المتحدة منذ ذلك الوقت من إرهاب، وما خلفته من ضحايا، يكاد يجعل من هجمات 11 أيلول لا تذكر.

*نقطة إيجابية

رغم ما سبق، هناك نقطة إيجابية، إذ إن العالم الذي تضامن مع الولايات المتحدة إبان هجمات 11 أيلول 2001 وشارك عدد من دوله في حروبها.. هذا العالم لم يعد كذلك، والأهم أنه يقف ضد حروبها، ونجح في منع عدد منها، بعدما اكتشف كيف زيفت وزورت وضللت العالم في سبيل أن تُخضع الجميع لهيمنتها.

اليوم تشاهد الولايات المتحدة بنفسها، وتتابع كل يوم، كيف ينقلب العالم ويتبدل، وكيف يتحالف ويتكتل في وجهها، ليحمي نفسه من إرهابها.

*أصل الإرهاب

ربما من هنا نستطيع أن نفهم ونفسر لماذا «اليوم العالمي لدعم ضحايا الإرهاب» لا يحظى بتلك الأهمية التي يُفترض أن يحظى بها، كما هي حال كل الأيام العالمية والمناسبات التي تطلقها الأمم المتحدة.. العالم بات مُتيقن أنه من المفيد أكثر القضاء على من ينشر الإرهاب، بمعنى الوقوف في وجه الولايات المتحدة ومنعها من الاستمرار في جعل العالم كله رهينة لحروبها الإرهابية/ العسكرية والاقتصادية، والتي لا تستثني أحداً.. وعندما يتحقق هذا الأمر، عندها فقط نستطيع أن نحيي ونكرم ذكرى ضحايا الإرهاب في يوم عالمي.. ونستطيع أن ندعم الضحايا الذين بقوا على قيد الحياة يعانون آثار الإرهاب وتبعاته من إصابات ومرض ويتم وفقر وجوع وتشرد ولجوء.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار