جيش على مقاس أردوغان
في الوقت الذي لا تلوح في الأفق أي مؤشرات توحي بتراجع النظام التركي بزعامة رجب أردوغان عن سياساته العدوانية والاستفزازية في المنطقة، تشير جميع التطورات المتسارعة إلى مخاطر محتملة لمواجهة عسكرية في المنطقة وخاصة في شرق البحر المتوسط حيث التوتر على أشده بين نظام أردوغان واليونان.
لم يعد سراً على أحد أن قيام أردوغان بفتح أكثر من جبهة وزج الجيش التركي في حروب متعددة, هدفه إشغال كبار قادة الجيش بحروب خارجية متصلة تشتتهم وتستنزفهم ولا تترك لهم أي مجال للتخطيط للانقلاب عليه على غرار محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا عام 2016 والتي لا تزال حتى الآن تقض مضجع أردوغان المسكون بهاجس الخوف من تكرار السيناريو الذي قد يصيب هذه المرة حيث فشل قبل أربعة أعوام.
وما يزيد من قلق أردوغان وخوفه هو أن جميع الظروف مواتية اليوم للانقلاب عليه وإزاحته من السلطة أكثر من أي وقت مضى, خاصة في ظل وضع سياسي غير مستقر واقتصاد نازف منذ ثلاثة أعوام وسط هروب للمستثمرين وتدهور لليرة التركية وارتفاع معدلات البطالة مقابل تدني شعبية “السلطان العثماني” إلى أدنى مستوياتها. ولذلك كان من الضروري إشغال الجيش طوال الوقت خوفاً من قيام بعض الضباط المستائين بعزل رئيس النظام، وليس أفضل من الحرب لتحقيق هذا الغرض حتى لو كانت من دون سبب ومن دون طائل منها سوى زيادة الأعباء على الاقتصاد النازف أصلاً.
الكل يعلم أن استمرار أردوغان باتخاذ محاولة الانقلاب الفاشلة مطية للإيغال في حملة تصفية الخصوم والمعارضين على مدى أربع سنوات, أفقد القوات المسلحة التركية إيديولوجيتها وتوازنها, حيث تم استبدال النخبة العسكرية العلمانية في التسعينيات بأولئك المنتمين لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم فقط, ما يعني أن الجيش يعاد بناؤه على صورة أردوغان ليصبح أداة استبداد وبطش أينما أراد “السلطان” أن يشيع الفوضى ويفتعل الأزمات.
وعليه, فإنه من مصلحة أردوغان ونظامه رفع سقف المخاطرة على أكثر من جبهة وهو ما يفعله حقاً عبر تصعيد المقامرات السياسية والمغامرات العسكرية في أكثر من مكان, ومن ذلك مواصلة استعراض عضلاته بشكل متزايد في شرق البحر الأبيض المتوسط, كل ذلك بهدف تثبيت دعائم حُكمه وإشغال قادة الجيش والشارع التركي في حروب وتوترات خارجية لصرف نظرهم عن سوء الأوضاع الداخلية والتخطيط للثورة ضد “السلطان العثماني” وإسقاطه.