حروب أخرى
مصطلح الحرب الإلكترونية والذي يندرج تحت تسمية الهجمات السيبرانية ليس بالجديد على الساحة الدولية، وهو مستخدم دائماً وبصورة كبيرة من العديد من الدول ضد أخرى، ولكنه سيصبح راهناً “من الضروريات” في سياق التجاذبات الدولية الحاصلة ولاسيما بالنسبة للولايات المتحدة رغم أنها ليست الوحيدة في هذا المضمار لكن اللجوء لهذه الهجمات من واشنطن يأتي في سياقات عدوانية، بينما لجوء الدول الأخرى يأتي رداً على أمريكا والشواهد كثيرة..
الولايات المتحدة الأمريكية ضليعة في الهجمات الإلكترونية ومنذ زمن، ولاسيما ضد دول تعاديها، والدليل القاطع موجود فيما أشار إليه نائب سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي أوليغ خراموف من أن نحو 75% من الهجمات الإلكترونية في العالم تتم من داخل الولايات المتحدة.
لماذا تأتي من الولايات المتحدة، ولماذا تعد من الضروريات لها؟ لأن واشنطن لم تحصّل من حروبها العسكرية التقليدية ما يمكن عده في سياق “المنجزات والمكتسبات” إذ بقيت “منجزاتها” محدودة، ولم تستطع إضعاف خصومها كما كان مخططاً له من قبلها، بل ازداد خصومها قوة ومنعة وأصبحوا أنداداً لها في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية وحتى في المجال السيبراني، ثم إن الحروب التقليدية حمّلت الولايات المتحدة كلفات بشرية ومادية باهظة بينما تأتي الهجمات السيبرانية غير مكلفة سوى “كبسة زر”.
فشلت واشنطن أمام روسيا وإيران والصين وهذه الدول على وجه التحديد هي المعنية بالهجمات السيبرانية الأمريكية سابقاً ومستقبلاً وحتى حالياً إن أرادت واشنطن البعد عن الحروب المباشرة والتجهيزات العسكرية المكلفة، إذ ما تريده أمريكا زرع أجهزة تجسس في تلك الدول وتدمير وتخريب البنية التحتية الحيوية والوصول إلى معلومات مهمة، واستهداف الحواسيب الآلية عبر فيروسات إلكترونية لتعطيل عمل مؤسسات ومنشآت بعينها تماماً كما حصل أثناء أزمة الملف النووي الإيراني 2010 إذ عمدت الولايات المتحدة إلى تعطيل عمل أجهزة الطرد المركزي التي كانت تستخدمها طهران حينها في تخصيب اليورانيوم، كما قد تعمد واشنطن إلى استهداف مؤسسات تجارية واقتصادية بهدف تكبيدها خسائر مالية وإلحاق الأضرار بالعمليات التجارية.
حتى في المجال السيبراني أخطأت واشنطن الحسابات، فلم تعد الوحيدة في هذا المضمار فالدول التي تعاديها أمريكا باتت تملك من القدرات في الحرب الإلكترونية ما يوازي أمريكا، أي إن الرد على التحرشات الأمريكية السيبرانية سيكون بالمثل.