غيّر صديقي أبو غسمان “حلّاسه وملّاسه” وكسَرَ قلمَه ومزَّقَ أوراقه التي خطّ عليها عمراً من هموم الناس إذ كان ممن يؤمنون بأن على الصحفي أن يكونَ مثل “هرقل” في جبروته ومثل الإسكندر المقدوني “ذي القرنين” في صولاته وجولاته بين قرنيّ الشرق والغرب وأن يعمل بدأب النمل وإخلاص النحل وقوّة مئة حصان وانتباه كتيبة استطلاع كاملة لكي يستطيع العيش.. لذلك غيّر كل ما كان عليه ما عدا حذاءه الغالي على قلبه إذ كان قد اشتراه بالتقسيط المريح من “البالة” التي يطبّقون عليها هي أيضاً قانون “قيصر” وكأنهم يفعلون ذلك نكايةً به شخصياً.
وباتَ اليوم في حارته يلقّب بـ”مسبّع الكارات” بدلاً من “الأستاذ الشايب” فأصبح قادراً على خطف لقمة عيشه من “تِم السبع”، وطوّر قدراته الذاتية، رغم سنوات عمره الخمسين، ليستطيع الجري من بيت إلى بيت كالثعلب، ورؤية أي جهاز معطل كالصقر، والشمّ مثل القطة رائحة أي شخص لديه القدرة على دفع أجرة تصليح أي غرض، فبرأيه حرامٌ أن تمرّ من جوار غرض معطّل “وما تصلحو، بيزعل الغرض بعدين”… وهكذا أحسّ بطعم اللقمة الهانئة لأول مرة في حياته.
الأكثر طرافة هو أنّ زوجته غيّرت عملها أيضاً من موظفة شؤون إدارية تعمل ثماني ساعات كاملة مع ساعتين في الذهاب والإياب تحت حِمم الشمس ووسط جحيم الازدحام وقلة تهذيب الكثيرين ممن لم تعلّمهم جائحة الكورونا آداب الجلوس في السرافيس وعدم العطس أو التكلّم في “خِلقة” الراكب إلى جوارهم… وامتهنت الخياطة لتستطيعَ فتق “بناطيل” وقمصان زوجها القديمة التي كانت مثار سخرية زملائها ممن أثروا في هذه الحرب ولترتقها على مقاسه الجديد كي لا “تشلّق الدبب” على أن “فردة” بنطلون كانت “شارلستو” و”الفردة” الثانية “ستريتش”!.
وكتبت في دفتر مذكراتها عن سبب هذا التحوّل: “الراتب بالمحلي؛ وأسعار كل شيء حتى الهواء بالصعبة. أخاف أن يأتي يومٌ ما يعطونني فيه “رويتبي” على شكل عِلكة ويقولون لي: اعلكي وتتهنّي”.