عزل أم انعزال؟
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت تدفع ثمن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرامية إلى حصار الأعداء والخصوم وعزلهم من خلال نهج العقوبات العدوانية التي وصلت بها إلى حدودها القصوى وخاصة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
فقد أكد الكثير من المحللين والمعلقين السياسيين أن هذه السياسة الأمريكية المتهورة لابد أن تنعكس سلباً على المدى القريب أو المتوسط على الولايات المتحدة نفسها وها هي النتائج بدأت تظهر جلياً وتباعاً في العديد من الملفات والقضايا الدولية.
ففي جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول مشروع القرار الأمريكي بتمديد حظر توريد السلاح إلى إيران وجدت الولايات المتحدة نفسها في عزلة مخزية لم تكن تتوقعها، خاصة أن الصفعة جاءت من خلال حلفاء الولايات المتحدة لعقود عديدة وإن كانت تحمل طابع الحياء الذي لا يرقى إلى مستوى المواجهة من خلال امتناع إحدى عشرة دولة عن التصويت لمصلحة مشروع القرار الأمريكي بما فيها دولتان دائمتا العضوية وهما فرنسا وبريطانيا.
لم تعي الإدارة الأميركية أن ثمن سياسة العزل والحصار التي اتخذتها بديلاً عن سياسة الحروب التي لم تعد قادرة على خوضها وضمان الربح والانتصار فيها بعد تجربة العراق وأفغانستان ربما في كثير من الأحيان قد يكون أكبر من ثمن الحروب ذاتها.
فالخسائر الاقتصادية التي تتكبدها الشركات الأميركية والانحسار في التعاملات الدولية تتعمق يوماً بعد يوم فضلاً عن أن الشركات التي تواجه العقوبات الأمريكية في دول عديدة كالصين وروسيا وأوروبا الغربية على وجه الخصوص وبقية دول العالم عامة بدأت بالبحث جدياً عن بدائل للتعاونات البينية بما يوفر التربة الخصبة لقيام تعاونات اقتصادية دولية متطورة ومزدهرة تكون الشركات الأمريكية خارج نطاقها بالكامل وهذا ما ينذر بكارثة وشيكة للاقتصاد الأمريكي برمته.
إن صفعة الامتناع عن مجاراة الولايات المتحدة في سياساتها المتغطرسة والمتطورة واللاهثة خلف السياسة الصهيونية العنصرية أرسلت رسالة واضحة لإدارة ترامب أن هناك حدوداً لم يعد من الممكن تجاوزها أو السير فيها، وإن الإدارة الأمريكية أدخلت الولايات المتحدة في متاهة الانعزال عن الآخرين بدلاً من عزلهم وأصبح من الواجب القول:(طباخ السم لابد أن يتذوقه).
فهل أدركت إدارة ترامب ذلك أم إنها مصرة على السقوط في الهاوية؟.