جنون ما قبل السقوط
لا يفقه “السلطان العثماني الجديد” رجب أردوغان إلا لغة الصراع وإشعال فتيل أزمات جديدة، ولا يفهم إلا هذه اللغة لإعادة إحياء “سلطنة” أجداده التي شيّعت إلى مثواها الأخير منذ زمن غابر، فنجده يواصل فتح جبهات جديدة للصراع من دون أي حساب للنتائج والتداعيات والارتدادات التي تنتظره من وراء ذلك، ولاسيما أن “العثماني الجديد” يبدو كالوحيد والمنبوذ ولا تضم جوقته إلا أشباهه من حملة الأفكار “الإخوانية”.
وتحت ذريعة ومزاعم “الدفاع عن الأمن القومي” يعمد أردوغان لفتح جبهة جديدة عندما أقدم مؤخراً على قصف مواقع في الشمال العراقي بمسوغات أقرب ما تكون إلى النكتة السمجة وهي “محاربة” الإرهاب هناك -والمقصود بنظر أردوغان حزب العمال الكردستاني- وهي المسوغات التي باتت كالكليشيهات المكررة يخرق من خلالها أردوغان سيادة الدول ويتلطى خلفها لتحقيق مصالحه السياسية والاقتصادية أولاً وأخيراً عبر تمدده في دول المنطقة.
صحيح أن أردوغان يحتاج إلى تحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى من خلال فتح العديد من الجبهات في آن، لكن ما لا يعلمه أن فتح هذه الجبهات سيؤدي به في نهاية المطاف إلى حافة الانهيار والسقوط لأنه من الطبيعي أن يؤدي إلى استنزافه مالياً وسياسياً ولاسيما أن خيار التراجع عن أي خطوات لأردوغان غير وارد على الإطلاق، يضاف إلى ذلك أن سقوطه لن يكون فقط بسبب استنزافه، بل لأن الأطراف التي يدعمها كما في ليبيا مثلاً لن تدوم طويلاً وهي منبوذة دولياً أيضاً، كما أن مشروعه الإرهابي في المنطقة ولاسيما في سورية تداعى أمام عينيه، وبذلك نجد أن فتح جبهات جديدة ما هي إلا لتأخير السقوط الآتي لا محالة، لأن فتح تلك الجبهات يعني توسيع المحور المعادي لنظام أردوغان.
النقطة الأخرى التي يعمد لها أردوغان من فتح جبهات جديدة هي حرف أنظار الداخل التركي -عبر “إنجازات” خارجية- عن تردي الوضع الاقتصادي الذي تشهده البلاد والذي ازداد سوءاً مع جائحة “كورونا”، وهي “إنجازات” يراد منها في جانب آخر أن تصب في خدمة أردوغان ضد خصومه من الأصوات المعارضة.
ما سبق ذكره هو الواقع، لأن مزاعم “محاربة” الإرهاب لن تنطلي على أحد، إذ دائماً هناك ضرورة للتساؤل: كيف لمن رعى الإرهاب وأمن له الحماية والدعم المادي واللوجستي أن “يحاربه”؟.. ما يعيشه أردوغان اليوم هو جنون ما قبل السقوط.