أفكّر كيف كشفت الحربُ المعادنَ الزائفة لكثير من «مثقفي» هذي البلاد، وكيف أنّ الناس بسبب الخسارات المتلاحقة وحفنات الدموع اليومية وأوجاع القلوب الموشومة بالخذلان والفقد؛ اكتشفوا أنّ الركضَ وراء الثقافة باتَ ضرباً من الوهم وأنّ المعرفة والفلسفة ونظريات الفكر أصبحتْ أقرب إلى الهذيان مما كانت عليه كـخميرةٍ للعقول وإكسيرٍ للأرواح الخائبة وكنزاً للاحقين من البشر.
ربما لذلك طبّقَ الناسُ عندنا وبشكلٍ بدهي كأنه موجود في جيناتهم ما يُسمّى «متلازمة قلم الحمرة» التي اكتشفها ليوناردو لودَر مؤسس شركة «إستي لودر العالمية» والتي يقول فيها: «إن مبيعات أقلام الحمرة ومنتجات طلاء الأظافر تضاعفت بنسب عالية وبشكل عكسي رغم الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم عام 2001»
ومع هذه المعلومة اللمّاحة عرفتُ تماماً لماذا بتنا نركض وراء برامج التسالي و«الحزازير» وأبراج الحظّ وأخبار الفنّ بدلاً من البرامج الدسمة معرفياً؟ ولماذا بات الشباب والصبايا يلاحقون نجمات «الفيسبوك» ومغنّي «البوب» ليعرفوا أيَّ لون «حمرة» استخدموه وأيَّ «كلاش» انتعلوه وعند أي طبيب تجميل نحتت الموديل جسمها وكيف وضع النجم «العلّاني» ذاك الوشم الخارق أو تلك «الشطبة الدبّاحة» على حواجبه وما سرّ «البرونزاج» الجهنمي الذي ظهر فيه «أبو عيون جريئة» في «الفيديو كليب» الأخير؟
وعرفتُ كيف يقهرُ فقراءُ هذي البلاد فقرَهم وقهرَهم بإذلال آخر قِرشٍ معهم في جيوب تعتيرهم وعَوَزهم، وكيف يشترون بما تبقى في «مطمورات» أولادهم كل ما ليس له طعمة ولا فكاهة ولا قيمة… فقط «نكايةً» بإرشادات التدبير المنزلي وخبراء الاقتصاد المحلّي مُنظّري التلفزيونات الأشاوس.
أفكّر بفقراء هذي البلاد كيف يوزعون «صواني» الفرح وهم أحوج الناس لها، وكيف يكتبون بالصبر وانهدام الجسد وانخساف الروح أملَهم وأحلامَهم المؤجلة بكل الحبّ التلقائي والبسيط… بعيداً عن شياطين السياسة و«فانتازيا» المثقفين الثوريين ووعود الكاذبين.