في العَجَلة

يتمايزُ الناس في طباعهم ويتدرّجون تدرُّجاً يوافق مستوى وعيهِم ومدى ثباتِه، وثمّة حالاتٌ تمرُّ على المرء متباينةً يتصرّف حيالها إمّا بأناةٍ وتروٍّ أو بعجلةٍ ولجاجة، وشتّان بين الحالين، إن في فرحٍ وهناء ، أو في مكروهٍ ولأواء، والنتائجُ تكون واضحةً في تباينها وتناقضها بتباين وتناقض الرويّة والاستعجال، وهذا طبيعي ويمكن أن يمرَّ على كلِّ واحدٍ فينا، طالما أنه يعيش في خضمّ المتناقضات التي تفرزها الظروف المعتادة في الحياة القائمة أصلاً على المتناقضات، ولكنَّ ما يثيرُ الاستغرابَ ويبعثُ أسبابَ الدهشة والعَجَب، هو تكرارُ ردّات الأفعال نفسها أمام متشابهات النوازل عند كثيرين، فلا الحصادُ الضارُّ للتسرّع في التصرّف حيالَ المُفرح علّمهم التدبّر والتفكّر والتمهّل قبل الشروع بردّات أفعالهم، ولا النتائجُ المؤذيةُ للعجلة في التصرّف حيالَ المُحزن وعظهم !
فإذا لم يعتبر المرء بتكرار نتائج سلوكه السلبي تُجاه ما يصيبه، فبأيِّ شيءٍ يمكن له أن يعتبر؟! أليس هذا هو العنادُ الّذي يُجلبُ عكسَ المُراد؟!
وعليه يمكن أن نضربَ أمثلةً واقعيةً كثيرة تحصل كلّ يوم وليلة، وتكرّرُ أيضاً مرّاتٍ ومرّات، ومن ذلك أنَّ واحدَهم ما إن يلمح منشوراً على صفحة التواصل الاجتماعي حتى يسارع إلى الإعجاب به ، والأنكى الدفاع ُعنه و تأكيدُه وتصديقه والتعليقُ عليه وغالباً الاستعجال في (مشاركته)، دون أن ينتبهَ إلى أنه، ربما كان ضارّاً به نفسه، وهو كذلك – ولو في الآجِل، كلّ ذلك دون أن يتجشّمَ عناءَ بعض التروّي، أي دون أن يستخدمَ حِجاه وملكاته التي وهبها له الوهّاب نعمةً له وحجّةً عليه، أليست العَجلة ُ وراء ذلك، أليس من الحكمة أن يشكر نعميات العقل، وشكر العقل لا يكون إلّا باستعماله والاستعانة به: كأن يتساءل، من صاحب المنشور، ما مدى صحة ما نشره، ما مدى نفعه العام والخاص، هل فيه ضرر يمكن أن يقع على الناس؟!
أليس هذا التساؤلُ سهلاً ومنجياً ومنقذاً ومباركاً ومشكوراً ومد خوراً في الأرض والسماء؟!
ويا حبّذا العجلةُ إذا كنّا بعدها نندم غير مُصرّين، ولكننا نعجل ولا نحصل – بمعناها الرّادع – حتّى على الندامة..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار