العسل المغشوش يغزو الأسواق.. قطاع النحل السوري يستعيد عافيته تدريجياً
الحرية – حسام قره باش:
بعد أن فقد حوالي 90٪ من إمكانياته وعدداً هائلاً من النحل، يعود هذا القطاع تدريجياً لنشاطه بعد تراجع مهنة تربية النحل وإنتاج العسل خلال السنوات الفائتة مع عودة البعض للعمل فيه، حيث يعتمد بشكل أساسي على التنقل في البيئة السورية بمواسم إزهار متنوعة على مدار العام، ووصول عدد المشتغلين بهذا المجال إلى 20 ألفاً، بعد أن كان قبل 2010 حوالي 35 ألف نحَّال، وفقاً لخبير برامج النحل في منظمة أكساد عبد الرحمن قرنفلة في تصريحه لـ”الحرية”.
تكلفة الكيلو الأصلي تصل إلى 175 ألف ليرة
مفاهيم مقلوبة
بهذا السياق يرى قرنفلة أن المهنة ليست سهلة كما يظن البعض بوضع خلية النحل في البستان ومن ثم جني العسل، بل تعد من المهن الشاقة والمكلفة في أجور النقل والعمل في ظروف قاسية، عدا عن أنه في الدول الأوروبية يدفع صاحب الحقل الأجرة للنحال كي يضع الخلايا في حقله كون النحل يزيد من المحصول ونوعيته. في حين عندنا يطلب المزارع أجرته وحصته من العسل بعد ترجيه للموافقة كما ذكر.
وأضاف: لدينا إشكالية بين النحال والمزارع الذي يرش حقله بمبيدات قاتلة للنحل كما جرى مع أحدهم في اللاذقية وخسر 150 خلية نحل بسبب رش المبيدات، لذلك نطلب من الحكومة منع استيراد واستخدام المبيدات التي تقضي على النحل.
طوق نجاة
وبذات الوقت يرى أن تربية النحل هي مهنة المناطق الفقيرة كونها لا تحتاج لرأسمال كبير، والمشروع يمكن أن يبدأ بخليتين ثم يتطور، وهي لا تنافس أي كائن على الموارد كونها تستثمر موارد مهدورة كالرحيق وغبار الطلع وبالتالي تشكل سبل عيش لأصحاب هذه المناطق. وعليه تعد تربية النحل من أهم المشاريع الصغيرة التي تمثل طوق نجاة من الفقر في المناطق الهشة اقتصادياً، منوهاً بعدم وجود أي دعم حكومي لهذا القطاع سابقاً آملاً من الحكومة الجديدة دعمه على مستوى السياسات بتسهيل استيراد مستلزمات النحل وإعفائها من الجمارك وتشجيع الرقابة على إنتاج العسل والصناعة المحلية لها وتنفيذ مشروع لترقيم خلايا النحل لإحصائها وضبطها وكشف الخلايا المسروقة ومعرفة أصحابها.
الأسواق والعسل المغشوش
تنتشر اليوم بسطات بيع العسل على الأرصفة وتباع بأسعار زهيدة ما يثير الشك حول ماهيتها ومكوناتها وبهذا الصدد لفت قرنفلة إلى ضرورة تشديد الرقابة على الأعسال المغشوشة المصنعة من قبل ضعاف النفوس نتيجة تراجع إنتاج العسل المحلي، مبيناً أن بعض الأنواع يباع الكيلو منها ب 10 آلاف ليرة في حين تكلفة كيلو العسل الأصلي أكثر من 175 ألف ليرة إضافة إلى وجود عسل بالأسواق يروَّج على أنه مستورد من السعودية ويباع الكيلو منه ب 30 ألف ليرة، ويبين قرنفلة بأن هذا الكلام لا صحة له لأن السعودية فيها عسل بالحد الأدنى سعر الكيلو 200 ألف ليرة وبعض الأنواع ذات الشهرة التسويقية يصل سعر الكيلو إلى مليون ليرة وعليه فإن هذا العسل ليس سعودياً وأيضاً مغشوش ومن واجب الحكومة مكافحة هذا الغش، مضيفاً: نحن من كان يصدر العسل للسعودية ودول الخليج سابقاً وكنا نصدر بمعدل 1500 طن سنوياً والمتوقف حالياً وإن وُجد فعلى نطاق ضيق وشخصي.
تعاونيات إنتاجية
يشير قرنفلة إلى أنه نتيجة للتطورات الأخيرة مع رحيل النظام البائد، فقدَ الكثير من المواطنين عملهم ووظائفهم فاتجه بعضهم لتربية النحل كي يعيش ولكن صادف وجود نحالين ينتجون حوالي 150 كيلو فيستغلهم التجار ويشترون العسل منهم بأقل الأسعار، لذلك لا بد من تشجيع إقامة تعاونيات إنتاجية أهلية على مستوى المناطق، إنما تحتاج لإطار تشريعي من الدولة لتجميع وتنظيم هؤلاء في جمعية تساعدهم على تحسين شروط الإنتاج والتغليف والبيع وتشجيع إنشاء جمعيات متخصصة بتسويق العسل ومنتجات خلية النحل وأن تقيم الحكومة مختبرات لاختبار جودة العسل ليس في دمشق فقط بل في كل المحافظات.
ترف غذائي
لدى سورية ترتيب متأخر جداً في إنتاج العسل حيث يصل الإنتاج سنوياً بحدود 2000-2300 طن في حين كان متوسط استهلاكنا المحلي منه حوالي 2500 طن وننتج معها حوالي 1500 طن للتصدير حسب الخبير قرنفلة، مشيراً إلى أن استهلاكنا المحلي على نوعين منزلي وصناعي.
ورأى أن استخدام العسل في بلدنا نادر باعتباره سلعة رفاهية وترفاً غذائياً نتيجة ارتفاع الأسعار وانخفاض دخل المواطن رغم أهميتها الغذائية بكل بيت موضحاً بأن متوسط نصيب الفرد السوري من العسل لا يتجاوز 75 غ سنوياً في حين مثلاً متوسط الفرد الألماني 3 كغ والأمريكي 5 كغ والتركي 3 كغ وفي لبنان 1800غ.
وقال: نسعى في أكساد لتشجيع إنشاء خطوط إنتاج عسل بعبوات صغيرة كالمعالق المعبأة والمغلفة والمختومة آلياً وفيها 5غ أو 10غ عسل بحيث يتمكن الطالب في المدرسة أو الجامعة من شرائها كونها مادة غذائية أفضل من المصنعة كالشيبسات وغيرها إضافة لإنتاج ظروف صغيرة فيها 15غ بسعر رخيص وتلبي الغرض.
برامج أكساد
وتطرق إلى الندوة الأخيرة لأكساد حول القيمة المضافة لمنتجات خلية العسل الستة ولكل منها عدد هائل من الاستخدامات، حيث شمع العسل وحده يدخل في 150 نوعاً من الصناعات وكذلك سم العسل العلاجي، إضافة إلى إطلاق البرنامج العربي لتحديد تأثير التغيرات المناخية السلبية على النحل المسؤول عن إخصاب 75٪ من النباتات ما ينذر بخطر شديد على الأمن الغذائي للإنسان والحيوان وانقطاع السلسلة الغذائية باختفاء النحل، ولهذا لجأت أكساد لنشر تربية النحل وعقد دورات تدريبية مجانية نظرياً وعملياً وتضمين مشروع أثر التغيرات المناخية على النحل بنشاطات عبر إقامة مركز أبحاث النحل وإنشاء منصة إلكترونية تفاعلية تجيب النحال على أي تساؤل من قبل خبراء عرب وأجانب وإنشاء منحل تدريبي بكل تجهيزاته، مستشهداً بختام حديثه بمقولة آينشتاين عن أهمية النحل في حياتنا” إذا اختفى النحل عن الأرض فلن يبقَ للبشرية سوى بضع سنوات”.